د. أحمد الفراج
لا شك أنكم قرأتم عن عضو مجلس الشيوخ البارز، لينزلي قراهام، الذي يمثل ولاية جنوب كارولينا، وهي ولاية جنوبية محافظة، اشتهرت أيام الحرب الأهلية الأمريكية، التي قامت بسبب رفض ولايات الجنوب الأمريكي تحرير السود من الرق، ما جعل الرئيس التاريخي، إبراهام لينكولن (1860 - 1865)، يقرر إنهاء أمر الرق بالحرب، وحينها قررت ولايات الجنوب، التي انهزمت في الحرب، أن تحتفظ بعلم الولايات المتحدة الكونفيدرالية، وهي الدولة التي أعلنتها ولايات الجنوب، بعد انفصالها عن الدولة الفيدرالية، قبل أن يتمكن لينكولن من هزيمة هذه الدولة الوليدة، وإعادة توحيد أمريكا بالقوة، وهي الوحدة، التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، ومن المفارقات، أن مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة حاليا، نيكي هيلي، هي من استطاع توحيد الجهود، لإزالة علم الولايات المتحدة الكونفيدرالية، حينما كانت حاكمة للولاية قبل سنوات قليلة!
انتخب السيناتور لينزلي قرام عضوًا في مجلس الشيوخ، خلفا لواحد من أشهر أعضاء المجلس، أي السيناتور ستروم ثرموند، الذي اشتهر بالعنصرية، ووقف ضد قانون الحقوق المدنية، الذي كان يهدف للمساواة بين البيض والسود، ويعتبر ثرموند أحد أبرز أعضاء المجلس، إذ خدم لمدة قاربت الخمسين عاما، وتقاعد بعد أن تجاوز عمره المائة عام، ولم يكن لينزلي قراهام عنصريًّا مثل سلفه، بل هو جمهوري تقليدي معتدل، خدم في مجلس النواب الفيدرالي، وفي مجلس النواب لولاية جنوب كارولينا، قبل أن يخلف ثرموند في مجلس الشيوخ، ويعتبر من أصدقاء المملكة، الذين يؤمنون بأهمية التحالف معها. هذا، ولكنه أصبح خصمًا شرسًا للمملكة، منذ حادثة تركيا، ولو كان حديثه عن القضية منطقيًّا وعقلانيًّا، لربما تفهمنا موقفه، ولكن الأمر يبدو مريبًا، لمن يعرف مسيرته السياسية!
السيناتور قراهام، المحامي البارع، الذي تقاعد من سلاح الجو الأمريكي برتبة عقيد، ولا يزال أعزب في عمر الثالثة والستين، يبدو متشنجًا ومشحونًا، أثناء حديثه عن المملكة، وهذا السلوك لا يشبهه أبدا، ولا يشبه شخصيته الهادئة والرزينة، ما يعني أن هناك دوافع غير عادية، جعلته يقف هذا الموقف الحاد، ضد أحد أهم حلفاء أمريكا، وبعد البحث والتقصي، اتضح أن نظام قطر كان قد اجتمع بداية هذا العام مع أبرز ساسة ولاية جنوب كارولينا، وأهمهم بالطبع السيناتور قراهام، وقررت قطر استثمار مليارات الدولارات في الولاية، وهذا يعني المساهمة في ازدهار اقتصاد الولاية، وهو الأمر الذي سيخدم قراهام سياسيًّا، ناهيك عن نصيبه الخاص، إن كان وسيطًا في الأمر، وحينها فهمت سر تغير موقفه، فعمل لوبيات المصالح في أمريكا مغرٍ للغاية، ويستطيع هزّ مبادئ أعتى الساسة وأكثرهم صلابة، وبقدر ألمي من موقف قراهام ضد المملكة، إلا أنني أشعر بألم أكثر، جراء سقوط سياسي متميز مثل قراهام، في وحل الصفقات الرخيصة وعالم شراء الذمم، وهذا أمر مؤلم للغاية ولا يبشر بخير!