عبد الاله بن سعود السعدون
المشهد السياسي العراقي مرّ بمراحل متعددة من الأزمات الوزارية من سقوط بغداد السلام على أثر الغزو الأنكلو أمريكي عام 2003م، وتوالت الوزارات الائتلافية بشكل المحاصصة الطائفية مع احتكار منصب رئيس مجلس الوزراء حكراً على مرشح تكتل البيت الشيعي ومع كل انتخابات نيابية تتلاعب الأحزاب المذهبية المالية لإيران بتفسير الكتلة الأكبر وبعد انتخابات عام 2018م، طالت مدة الحسم في إعلان الكتلة الأكبر في ظل كتلتين شيعيتين؛ سائرون الصدرية والفتح العامرية، وكل منهما أعلن أنه يمثل الكتلة الأكبر، وهنا برز الدهاء الفارسي ومندوبه الدائم في بغداد مستشار الحكومة والحشد الشعبي الجنرال قاسم سليماني باختراع صيغة توافقية بين الكتلتين باختيار السيد عبدالمهدي مرشحاً للكتلتين لمنصب رئيس مجلس الوزراء وهو الصديق المقرب للكتل المالية للنظام الإيراني وبنفس الصيغة السليمانية تم اختيار الرئاسات العليا الثلاث وصرح الناطق باسم حكومة طهران بأنهم فازوا ثلاثة صفر ضد المشروع الأمريكي ومواليه من الساسة والكتل العراقية. ومع ما صرح به رئيس الوزراء عبدالمهدي بأنه سيعتمد على الكفاءة والنزاهة على اختياراته للكابينة الوزارية الجديدة حتى أنه تعدى خطوط التوقع بوزارة تكنوقراط مستقلة إلى ابتكاره نظاماً جديداً لم يجرب بأعرق الدول الديمقراطية بفتح نافذة إلكترونية لاستقبال (السيرة الشخصية للمواطن العراقي) الذي يرى بمقدوره الترشح للوزارة الملائمة لخبرته ومؤهلاته بالتواصل مع موقعه الإلكتروني، وكانت المفاجأة لاستقبال أكثر من ستة آلاف رسالة من الحاصلين على درجة الدكتوراه بمختلف الاختصاصات، ولكن الضغوط الحزبية والإقليمية والدولية حملت معها هذا التجمع التكنوقراطي مع قوة سونامي المحاصصة والعلاقة المؤثرة إقليمياً ودولياً، وتقاسمت الكتل والمكونات الحقائب الأربعة عشرة، وتم تمريرها بتصويت مجلس النواب عليها، وتعذر تمرير ثماني حقائب أخرى لتنافس كتلة سائرون الصدرية مع كتلة الفتح العامرية، وبالذات على الوزارات السيادية الداخلية ومرشحها السيد فالح الفياض الذي تم جذبه لكتلة فتح من سائرون والسيد فيصل الجربا لحقيبة الدفاع، وظهور الصراع السني السني بين الوطنية وكتلة المحور العربية.. الظاهرة الجديدة في مراحل العملية السياسية في العراق ظاهرة الصراع الشيعي الشيعي والسني السني، وتعدى مدى العدوى للأكراد فبرز الصراع الكردي الكردي بين الحزبين الكبيرين اديمقراطي والوطني، أما القومية الثالثة التركمانية فهي في حالة عدم الرضا من الكل العرب والكرد لتهميشهم سياسياً بعدم تخصيص حصة لهم من الرئاسات الثلاث والحقائب الوزارية.. أما الأقليات القومية والدينية فحدود طموحهم السياسي قنوات فضائية يمارسون في داخل فضائها عرض همومهم وآمالهم المستقبلية التي تشابكت مع السراب البعيد.
بعد تراكم الأزمات السياسية والمالية المتلاحقة على النظام السياسي الحالي في بغداد وثقل الملفات الثقيلة، أشك كثيراً أن تستطيع أكتاف الرئيس عبدالمهدي السبعينية تحملها أو بإمكانه مقاومة رؤوس الدولة الموازية التي يرتكز عليها الفساد الإداري والمالي والمسيطر على كل المنظومة الإدارية للحكومة العراقية في الوزارات الاتحادية ومجالس المحافظات المحلية.. وإني أجد محيط حرية الحركة لوزارة السيد عبدالمهدي محاصراً من قبل رغبات الكتل الوزارية المتصارعة على المناصب وكراسي السلطة أكثر من الرغبة الصادقة لبناء دولة عراقية قوية مستقرة مهيأة لمرحلة البناء والتنمية المرجوة والمنتظرة من كل أبناء الشعب العراقي الصابر، والذي ينتظر الخدمات العامة من طرق حديثة ومياه نظيفة وكهرباء دائمة الطاقة ومكافحة الفساد والمحسوبية الحزبية في تقسيم الوظائف العامة وبسط سلطة القانون في داخل المدن والأرياف، والعمل على جمع الأسلحة المنتشرة لدى المليشيات غير المنضبطة، والتي تشكل ركيزة الفوضى الأمنية..!
تشكل حقيبة وزارة الداخلية أزمة صعبة أمام اكتمال نيل وزارة عبدالمهدي للثقة البرلمانية ذلك لإصرار عبدالمهدي وكتلة البناء المساندة له لاستئزار السيد فالح الفياض رئيس كتلة العطاء المنسلخة من كتلة النصر وإصرار السيد مقتدى الصدر على استبداله بشخصية ثانية لشغل وزارة الداخلية لأهميتها الأمنية وعلاقتها المباشرة بالجمهور العراقي، وقد يكون السيد قاسم الأعرجي الوزير السابق أقرب البدلاء عن الفياض لتجربته الناجحة في إدارة وزارة الداخلية لأربعة أعوام بتفوق ونجاح حاز إعجاب ومحبة أبناء الشعب العراقي لوطنيته ونزاهة يده وتطبيق سلطة القانون بقوة وعدالة.
العراق لن يرى نور الإنقاذ الوطني إلا إذا ابتعدت جميع الكتل المتناحرة من أجل المناصب والنهب بالمال العام عن المشهد السياسي وتسلم القوى الوطنية المخلصة لمقود السلطة، وتخليص الشعب العراقي الشقيق من الفساد والفاسدين، والعمل على فك قيود النفوذ الإيراني والأمريكي المزدوج من عنق الدولة العراقية وإعادة إعمار اقتصاديات البلاد ومحاسبة كل من خان الشعب العراقي وسرق آماله وتساهل في رهن قراره السياسي لأي جهة أجنبية كانت.. وأخيراً العمل الدبلوماسي الوطني الجاد نحو إصلاح العلاقات السياسية مع دول الجوار الإقليمي، والعودة إلى البيت العربي مرحباً به من كل أشقائه العرب.