د. فوزية البكر
بقدر ما أحدث النفط من تغيير هائل منذ لحظة اكتشافه عام 1933 وحتى تحوله تدريجيا إلى قوة مالية مؤثرة في اقتصاد بلادنا منذ سبعينيات القرن العشرين إلا أننا لم نمر بهزات اجتماعية وثقافية واقتصادية ودولية كتلك التي نمر بها منذ دخلنا جميعا برنامج رؤية 2030 قبل سنتين. نحن أمام أحصنة جامحة تتقافز في كل اتجاه لترسم ملامح مستقبل قد لا يفهم الكثيرون تفاصيله بوضوح وقد يئن البعض من أوجاعه لكنه حتما يرغمنا جميعا على التغير!
بنزين سيارتي صار يكلفني 150 ريالا بدل 70 ريالا (سيارتي كبيرة للأسف: لم نعرف أن البنزين سيرتفع في حينها وإلا كنا فكرنا قبل شراء هذا النوع من السيارات!). ابنتي ريما لم تكن مضطرة لدخول كلية التربية لتصبح معلمة مثل كل فتيات جيلي ممن رغبن في العمل آنذاك وها هي الكثير من الأبواب تفتح لها وعليها فقط أن تكون الشخص المناسب حيث أصبح الوقت مناسبًا للجميع!
نضطر الآن للتغيير التدريجي لأجهزة المنزل الكهربائية من مصابيح ومكيفات وخلافه بحثا عن الأجهزة الأقل استهلاكا للطاقة وأصبحنا في المنزل أكثر تحفظًا في استخدام المياه كما بدأت فاتورة مشاوير المطاعم والترفيه المحلي لابني سعود ترتفع تدريجيًّا.
أرغمتنا الرؤية على التغير في سلوكنا اليومي لأننا أصبحنا مسؤولين عما يحدث من استهلاك حيث كانت الدراسات تشير إلى أن استهلاك المملكة من الطاقة كان أعلى بكثير من المعدلات العالمية بحيث كنا سنصل لمرحلة لا نستطيع فيها بيع سلعتنا الرائجة وهي البترول لأننا سنستهلكه بالكامل محليا بحلول 2030 فمن أين كنا سنأتي بنقود لميزانية التعليم والصحة والدفاع والوظيفة لكل هذه الملايين الشابة التي تملأ أحلامها عنان السماء؟
هل يبرر هذا كل هذا الغلاء؟ طبعا لا! هل يبرر هذا الكثير من مشكلات السوق المحلية من شركات وعمالة وانهيار الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.. إلخ؟ ربما نعم في بعضه وربما لا في الغالب, لكن شيئا كبيرا يحدث.
تغيرت ملامح حيواتنا اليومية بشكل يفوق التصور.. هل نحكي عن المرأة وخطط التمكين؟ هل نحكي مثلا عن التغيرات التي طالت حياتنا كنساء سعوديات: غنيات أو فقيرات وهذا مهم إذ إن التغيير لم يكن سطحيًّا يلامس الطبقة المخملية بل نزل للشارع ليمس حياة كل امرأة بسيطة أو متوقفة عن الدراسة أو مطلقة حيث غيرت الرؤية حياتهن للأبد: في الشارع والجامعة وأماكن العمل وفي الحياة العامة بأن أتاحت فرصا تعليمية وتدريبية ومهنية لم يحلمن بها وذلك بالتزامن مع سن القوانين التي تسعى لتمكين المرأة التدريجي في الحياة العامة والخاصة.
هل نحكي إذن عن المشاريع الضخمة وخطط التوطين والتدريب للشباب وعن ماكينة التدريب والتوظيف وإعادة التأهيل؟ أم نحكي عن خطط إحياء المدن والتراث (الهيئة الملكية للعلا مثلا) أم نحكي عن المشاريع الصناعية المتطورة وعن المدن الحلم على شواطئ الوطن شرقاً وغرباً أم هي التحولات في نظم العناية الصحية التي تشي بتغيير جذري في مفهوم الرعاية الصحية من العلاج إلى الوقاية أو هو هذا التعليم الذي ظل لعقود متعثرا وشقيا مطاردا حتى هبط أخيرا في مطار الرؤية وفتح أبوابه للركاب المختنقين ليستنشقوا الهواء النقي ويروا العالم على حقيقته بعد أن كانوا مرغمين فقط على رؤية الظلال التي يلوح بها السجانون من حولهم. (تذكروا قصة رجال الكهف للفيلسوف اليوناني أفلاطون بمناسبة إدخال تدريس مادة الحوار والمنطق والفلسفة للمرحلة الثانوية!).
لنبارك لمليكنا سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان ولشعبنا المقدام الجسور بكل تنوعاته ومناطقه ونسائه ورجاله آمالهم وخططهم البعيدة المدى وكل مشاريعهم الجسورة التي حملتها رؤية 2030 ولنقف صفا منيعا ضد من يحاول التسلل بين صفوفنا مؤكدين أننا جميعا شركاء حقيقيون في تحقيق هذه الرؤية عبر الإيمان بها طريقا لخلاص أجيال المستقبل ولنعرف أن أحلامنا الطموحة الجسورة قد لا تكون مصدقة ممن كانوا يعتقدون أننا (ضمن غيرنا) كنا وسنبقى تابعين اقتصاديا وثقافيا عبر مستنقعات الجهل والإيمان بالنسخة الواحدة للملايين. لنذكرهم في يوم البيعة المجيد أننا اليوم مختلفون، متنوعون، ننجح مرة ونخفق مرات فنقف ونحلل ونقرر ثم نمتطي أحلامنا لمواصلة المسيرة وعلينا أن نؤكد إمساكنا بزمام القافلة ضد كل أعداء الوطن. حفظ الله هذا الوطن آمنا مستقراً.