«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
قال معالي الأستاذ عبد الله بن علي النعيم: نجتمع هذا المساء في مناسبة عزيزة على قلوبنا، ذات معانٍ سامية وعميقة في نفوسنا. فعندما اتصل بي أحد الإخوة من نادي الرياض الأدبي، يبلغني برغبتهم في المشاركة في ندوة بالنادي قبل ثلاثة أيام من هذه الندوة، اعتذرت إليه، وطلبت منه تأجيل إقامة ندوة لي بالنادي إلى وقت آخر، إلا أنه عندما قال لي إن الندوة ستكون عن «ذكرى البيعة الرابعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز» أعلنت موافقتي على الفور؛ لما تعني لي هذه المناسبة، وما تعنيه - أيضًا - لأي مواطن من أبناء بلادنا؛ إذ هي المناسبة العزيزة على قلوبنا، العميق ذكراها في نفوسنا، فأيًّا كانت ظروفي فإنها مناسبة وطنية؛ لا يمكنني التخلف عنها، أو الاعتذار عن عدم المشاركة فيها. جاء ذلك خلال الأمسية الثقافية التي أقامها نادي الرياض الأدبي الثقافي مساء أمس الأول بمقر النادي، وذلك بحضور نخبة من الإعلاميين والأكاديميين وأرباب الثقافة، وأبناء وبنات فارس الندوة، التي أدارها الزميل الإعلامي عبد العزيز العيد، المدير العام للقناة الثقافية سابقًا، الذي استهل تقديمه لضيف الأمسية قائلاً: السعادة تغمرنا ونحن في أفياء الوطن نتحدث عن مناسبة وطنية عالية على نفوسنا جميعًا، ألا وهي مناسبة ذكرى البيعة الرابعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في ظل عهد زاهر بقيادة مليكنا المفدى وولي عهده الأمين - أيدهما الله بتوفيقه -. وأشار العيد في ثنايا تقديمه مذكرًا ضيف الندوة بالمقولة المشهورة التي كان يتداولها قيادي أمانة مدينة الرياض، التي كانت تتردد على ألسنتهم من موقف إلى آخر، وذلك بقولهم: «شف لك حل عند أبو علي»؛ وهو ما يشير إلى أن النعيم «حلال عقد» الكثير من المسائل المتعسر حلها. «مردفًا» العيد وملمحًا للجمهور في هذين القطاعين اللذين عمل النعيم فيهما.
رجال في رجل!
ومضى النعيم في حديثه عن علاقته بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مسهلاً حديثه بقوله: ماذا عسى أن تسعفني به الذاكرة وأنا في هذه المناسبة أتحدث «أرتجل» الحديث لسنوات عن معرفتي، ومن ثم علاقتي بالملك سلمان بن عبدالعزيز، قائدنا، حامي حمانا، متزعم مسيرتنا ونهضتنا على المستويات كافة، الدولية والعالمية.. وماذا عسى هذه الدقائق التي وضعتني بوقتها المحدود في «مأزق حقيقي» وأنا أتحدث عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان منذ أن عرفته أميرًا لمنطقة الرياض! لأن ما أستطيع أن أقوله عن ذكريات العملية والشخصية معه يحتاج إلى ندوات، وربما لساعات للوقوف عند الكثير من دروس تلك المعرفة، وزوايا تلك العلاقة التي جمعتني به - حفظه الله - التي لا تزال علاقتي به حتى يومنا هذا؛ لذلك لن أستطيع أن أصف إلا القليل من الوقفات التي جمعتني بخادم الحرمين الشريفين منذ أن كنت مديرًا لتعليم الرياض، ثم الأمانة، سواء فيما يتصل بالجوانب العملية في شخصيته الكريمة، أو ما يتعلق بصفاته النبيلة والقيادية والعملية طيلة سنين جعلتني في اتصال وتواصل مستمر مع قائد مسيرتنا؛ وهو ما يجعل من هذه الذكريات بمنزلة اللمحات التي ألمح من خلالها إلى بعض من تلك الجوانب في مسيرة عطاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان منذ أن كان أميرًا للرياض لخمسة عقود حتى أن أصبح قائدًا لمسيرة نهضتنا التنموية الشاملة التي أصبحنا نفاخر بها عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا.
التعليم.. مطلع العلاقة
وعن بدايات انتقال عبد الله النعيم إلى مدينة الرياض قال: بدأ مشواري العملي والوظيفي عندما كُلفت بأن أكون مديرًا لمعهد المعلمين؛ إذ قمت بإنشائه، وتم فتحه بدون طاولات، ولا مقاعد. أما أنا فكنت أجلس على صندوق البرتقال؛ إذ عملت مديرًا له لمدة خمس سنوات، لم أكن خلالها على صلة آنذاك بأمير الرياض. وبعد أن تم تكليفي بالعمل مديرًا لتعليم منطقة الرياض كانت بداية تواصلي مع الملك سلمان عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، وازداد التقائي به لحرصه الدائم على متابعة شؤون منطقة الرياض، ومن ذلك التعليم الذي كان يشاركنا بشكل دائم جميع المناسبات والاحتفالات الرسمية الخاصة به طيلة خمس سنوات عملتها مديرًا لتعليم الرياض، لم أكن حينها حاصلاً على شهادة المرحلة «الابتدائية»، لكني متعلم ناضج؛ إذ انتقلت بعد ذلك إلى العمل الجامعي، ومنه تم ابتعاثي، وبعد عودتي تم تكليفي بالعمل مسؤولاً في شركة الغاز، وقد كان الاتفاق أن أقوم بالمهمة لمدة شهرين؛ إذ لم أكن راغبًا حينها في ذلك المنصب الذي استمر بدلاً من شهرين لمدة (40) عامًا في هيئة مجلسها، تذكرت معها قول أحد الخبراء الدنماركيين عندما قال لي ذات يوم: من شم رائحة الغاز فلن يفارقه!
الأمانة: بوابة العلاقة!
أما عن المرحلة الأكثر قربًا، والأعمق اتصالاً، والأكثر تواصلاً، التي استمرت لسنوات من العلاقة المباشرة بالملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، بعد أن تم تعيين النعيم أمينًا لمدينة لرياض، التي وصفها النعيم قائلاً: منذ أن تم تكليفي بهذه المسؤولية التي شرفت بخدمة بلادنا من خلالها وجدت خادم الحرمين في متابعة مستمرة لمختلف مشاريع الأمانة، وما تقوم به، ويلاحظ ما تحتاج إليه من اعتمادات مالية، ويكون أول الداعمين لها في حل ما قد يعترض بعض مشاريعها من عوائق؛ وهو ما جعلني في تواصل واتصال يكاد يكون في بعض الأسابيع «شبه يومي»؛ وهو ما جعلني أتعرف عن قرب على الجوانب «العملية والإدارية» لخادم الحرمين الشريفين إلا أنني بعد (6) سنوات طلبت إحالتي إلى التقاعد؛ فسألني حينها، فقلت له: ربما أكون مللت، وهناك العشرات من أبناء الوطن هم أكفأ مني. فقال لي: ألا ترى يا «أبا علي» أني لم أطلب التقاعد مثلك؟ فقلت: أنت ابن سعود، والتقاعد ليس لك. فلم يعجبه الأمر. وفي إحدى المناسبات فوجئت بأن الملك سلمان نقل رغبتي إلى الملك فهد - رحمه الله - فعندما جمعتني به مناسبة سألني عن رغبتي في التقاعد فقلت له ما زالت رغبتي في التقاعد قائمة، فرد ملاطفًا ومبديًا رغبته في بقائي بطريقة ظريفة وحميمية بقوله: «انثبر»، هل وجدتني في أمر أعنت أحدًا عليك؟! فلم يكن بوسعي إلا أن أقول: انثبرنا!
مواقف النبل والوفاء!
وعبر شرفات الذكريات التي أطل عليها فارس الندوة على الجوانب «الإنسانية» لخادم الحرمين الشريفين قال النعيم: لن أنسى - ولم أكن حينها مستغربًا عندما حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا - عندما اتصل بي الملك سلمان في المساء نفسه مهنئًا ومباركًا، وكذلك اتصال الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -. مستعرضًا العديد من المواقف الطريفة التي دارت بينه وبين خادم الحرمين الشريفين منذ أن كان أميرًا للرياض، في سياق حديثه عن «القدوة»، التي تمثلها شخصيته (العملية)، قائلا: كان حريصًا على تفقد المشاريع في مدينة الرياض «ميدانيًّا»، فكان يطلب منا الوجود في مكتبه الساعة السابعة صباحًا للخروج معه في جولاته التفقدية، إلى جانب ما كان يمثله من حزم في تطبيق الأنظمة؛ إذ أذكر أن أحد الأشخاص من (الوجهاء)، الذي كان لديه تجاوزات في أدوار البناء، الذي ممن كان يعرفهم الملك سلمان آنذاك، عندما رفعت إليه تجاوزه لم يتردد في تطبيق النظام بحقه، وإزالة ما قام به من تجاوزات. كما أتذكر عندما أردنا أن نكرم أمير الرياض اقترح علينا قائلاً: تكريمي هو ما تقومون به من إنجاز، فاستثمروا مبلغ التكريم في مشروع وطني.. وهو ما جعلنا نؤسس مركز الأمير سلمان الخيري؛ لنجده أول المتبرعين والداعمين، إضافة إلى تكريم آخر كنا سنقيمه للملك فهد - رحمه الله - فاقترح أيضًا الفكرة نفسها؛ إذ جمعنا (40) مليونًا، ووجدنا خادم الحرمين حينها أول المتبرعين والداعمين، وما كان من الملك فهد إلا أن تبرع بـ(40) مليونًا، أنشأنا بها مكتبة الملك فهد الوطنية. ولن أنسى حضور خادم الحرمين حفل تكريمي، والكلمة التي ألقاها، وتوجيهه بتسمية شارع من أبرز شوارع الرياض باسمي.
مداخلات.. وذكريات!
أعقب ذلك جملة من مداخلات أسئلة الحضور، ومداخلاتهم، التي استهلها الأمير سعود بن ثنيان، الذي قال: النعيم من أخلص ممن عملت معهم، وأكثر من عرفت انضباطًا ونزاهة وإنجازًا في عمله. فيما رد النعيم على عدد من المداخلات التي تحدثت عن إسهاماته الخيرية في خدمة الوطن قائلاً: أسهمت وأبنائي جميعًا في العديد من المشاريع، منها مركز صالح بن صالح تقديرًا لدوره المجتمعي في التعليم، ومركز الأميرة نورة الذي بلغت تكلفته (150) مليونًا، بمساهمة مني ومن وأبنائي وما جمعته من متبرعين، وتبرعت بمبلغ (10) ملايين ريال لأرض الجمعية الخيرية بعنيزة التي عندما كنت أطلب من ولي العهد محمد بن سلمان - حفظه الله - بعضًا مما تحتاج إليه من مشاريع وصفني بعضهم بـ»الاسترزاق»! ولعلي هنا أشير إلى أنني لا أفاخر، وإنما أقدم لنفسي. ولم أنسَ عندما دخل مكتبي مسؤول عن المقابر فطلبت منه أن يحجز لي قبرًا (2م في 50 سم)، ولم أنسَ أحد المراجعين عندما قطع الأوراق التي رماها في وجهي، ولم أرد عليه بشيء، وآخر عندما قال لي: سأتعلق برقبتك يوم القيامة؛ وهو ما جعلني أرد عليه: إن بقي لك مكان فتعلق! مضيفًا في هذا السياق بقوله: حتى مقر نادي الرياض الأدبي أسهمت من موقعي في أن يكون مقرًّا لهم، وما زال كما هو منذ (30) عامًا! فمتى ما أرادوا تطوير مبناه أو إقامة مبنى جديد له فسأكون أول الداعمين.
مواقف وطرائف!
وفي رد للنعيم على أصعب التحديات التي كانت تواجهها أمانة الرياض قال: النظافة، وأنظمة البناء، وفتح الشوارع، وإنشاء الحدائق.. معقبًا على مداخلة ربطته بالشيخ عبدالرحمن السعدي قائلاً: حفظت كتاب «بلوغ المرام»، وفيه (1800) حديث، فقال لي: حفظك ينقصه بعض التجويد، لكني سأعطيك المكافأة، وكانت (100) ريال. معقبًا على مُداخل وصفه بـ»البخل» على الوطن بعدم كتابة سيرته قائلاً: لم أفكر في هذا، ولعل ما كتبه الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي عني في كتابه (الإدارة بالإرادة) سيجد فيه القارئ جوانب وملامح من سيرتي.
أعقب ذلك مداخلة للأديب حمد بن عبدالله القاضي الذي تحدث عن حس النعيم الإداري، ومثالية إدارته، ومدى انضباطه وحرصه على تطبيق الأنظمة بنزاهة. فيما استعرض النعيم في رده على مداخلة عن صفات القيادي الناجح قائلاً: النزاهة، والإخلاص، والتفاني في خدمة الوطن ومواطنيه، وتطبيق الأنظمة بحزم، والجرأة. وأتذكر أنني تقدمت بطلب عندما زار الملك فهد - رحمه الله - الهيئة العليا لمدينة الرياض، وأنني طلبت من مسؤولي الأمانة تقديم مشروعات آنذاك بقيمة (6) مليارات ريال لمشاريع في الرياض، وفوجئت بأحد المسؤولين أنه يشرح عليها بتشكيل لجنة لدراستها؛ وهو ما جعلني أشير إلى أمير الرياض مستأذنًا منه؛ لأطلب إحالتها إلى مجلس الهيئة الذي كان يرأسه الملك سلمان آنذاك، وتمت إضافة (6) ملايين ريال، لنجد موافقة ودعم الملك سلمان الذي تعلمنا منه الجرأة الإدارية في اتخاذ القرار بحكمة وحنكة وعزيمة لكل ما يخدم الوطن، ويسهم في نفع مواطنيه.. فأغلب ما تشاهدون اليوم وأكاد أجزم أن (90 %) من مشاريع مدينة الرياض تعود إلى تلك الفترة، على الرغم مما شهدته - وما تزال - تشهده الرياض من تطور عمراني.
الرياض بمرور 200 عام
كما عقب النعيم على عدد من المداخلات التي تتساءل عن المواقف «الإنسانية» الحميمية للملك سلمان.. وقال النعيم: ذات يوم خرجت بعد اختلاف في وجهات النظر بيننا، وخرجت وأنا على يقين بعدم رضاه، إلا أنني عندما جئت إلى مكتبه بالإمارة فوجئت عندما قام عن مكتبه ليستقبلني بكل بشاشة وأخوية وود! ولن أنسى عددًا من مواقف واتصالات يبلغني فيها بالشكر والثناء؛ وهو ما كان يدمع عيني، وهو ما أدمعها وأنا أحكيها عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي تعلمنا على يديه إداريًّا وميدانيًّا مما لا يتسع المقام لذكره.
مختتمًا النعيم حديثه بالمطالبة بإقامة احتفال وطني بمناسبة «مرور 200 عام» على الرياض بوصفها (عاصمة) للمملكة العربية السعودية.