د. جاسر الحربش
فائدة لغوية : نبهني الصديق أستاذ اللغة العربية وآدابها الدكتور محمد الهدلق إلى أن الصحيح هو قول «هُوية بضم الهاء»، وبعد تمنع المعتاد على الخطأ الشائع اقتنعت بعد إرجاع كلمة هُوية إلى الضمير هو وليس إلى هواء أو هوى.
ندخل في الموضوع : ما هو موقع اللغة الأم في ترتيب الهويات الوطنية الجامعة لكل أمة، وهل إذا تخلخلت اللغة الأم عند جيل لاحق بسبب تقصير جيل سابق تضعف الهُوية الجامعة لكافة الانتماءات الوطنية وتتفكك ؟، التفكير قبل الجواب مهم.
الهويات الانتمائية الرئيسية الحافظة للشعوب والدول هي اللغة والدين والجغرافيا، وفلاسفة العلوم الاجتماعية يضيفون «الأنا» كمحور تدور حوله كل الهويات الأساسية والفرعية، لأنها جميعها تصبح بلا معنى إذا فقد الفرد التقدير المستحق داخل المجتمع، باعتبار الأنا هي الذرة الأولى في مادة المجتمع.
لنفترض شخصين عربيين من دولتين بينهما خلاف سياسي أو جغرافي على الحدود، جمعتهما الصدفة في أقصى بقاع الأرض، في آيسلاندا مثلاً، أحدهما مسلم والآخر مسيحي أو مسلم سني والآخر مسلم شيعي، هل سيفرحان ببعضهما كأخوين تجمعهما اللغة الواحدة أم سيتصرفان كعدوين تفرقهما السياسة والجغرافيا والمعتقد ؟. أتوقع أنهما سيأخذان بعضهما بالأحضان ويتجاهلان خلافات السياسة والجغرافيا والمعتقد.
إذاً في مسألة الهويات الجامعة، ما هو الثابت الأقوى وما هو المتغير مع الظروف؟ أعتقد أنه رابطة اللغة الواحدة. الجغرافيا تتعرض للاتساع والانكماش حسب قوة وضعف الدول، وهذا ما نشاهده حولنا في الدول العربية التي تقضمها الحروب ويوشك بعضها أن يتفكك إلى دويلات جغرافية، لأن الجغرافيا تخضع لمعطيات القوة والضعف.
بناءً على ما سبق، ما هو الاهتمام الأول الذي يجب على كل دولة وطنية داخل جغرافيتها الخاصة وتنوعها العقدي والمذهبي أن تهتم به وتتوسع بواسطته في العلوم والتربية والتقنية لكي تستطيع هضم كل ذلك وتحويله إلى جزء من حضارتها؟، إنها لغتها الوطنية.
السؤال مرة أخرى: هل إذا ضعفت اللغة الوطنية عند جيل لاحق بسبب الإهمال والتقصير من جيل سابق يصبح من المحتمل أن يضعف الانتماء الوطني ويتم اختراقها من قبل لغات وثقافات أجنبية متغلبة على اللغة الوطنية في البيت والمتجر والفندق والمطعم؟. التفكير واجب قبل الجواب.