لا شك في أن وزارة التعليم ممثلة بوزيرها معالي الدكتور أحمد العيسى تسعى جاهدة لتطوير محتوى المناهج الدراسية لتتوافق مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وقد بذلت الوزارة من خلال اللجان المكلفة بهذا الموضوع جهوداً ملموسة في تطوير محتوى المناهج الدراسية واستيعابها للقضايا المعاصرة، وتزويد الطلبة بالمهارات اللازمة للمواقف الاجتماعية المختلفة، وبما أنني معلم متخصص في تدريس المواد الشرعية فقد أردت تقديم بعض الملاحظات من باب تطوير محتوى المناهج الشرعية للسعي لتحقيق الهدف المتعلق بالمناهج الدراسية في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وقبل ذلك يجب التأكيد على ما تتميز به المناهج الشرعية في المملكة العربية السعودية-ولله الحمد- من ترسيخ للعقيدة الصحيحة كما جاءت في الكتاب والسنة في نفوس الطلبة من المراحل التعليمية المبكرة، وتربيتهم على التمسك بها والاعتزاز بهذه العقيدة، وسلوك المنهج المعتدل الوسطي في العبادة البعيدة عن التشدد والانحلال، وتعزيز القيم والأخلاق الإسلامية والتحذير من السلوكيات المنحرفة والتصرفات الخاطئة التي تضر الفرد وتؤثر على تماسك المجتمع وترابطه، والمطلع على محتوى المناهج الشرعية يجد تناولها لعدد من القضايا من منظور شرعي خاصة في المرحلة الثانوية كالابتعاث وأحكامه، وحقوق الإنسان، والسفر وآدابه، والمسابقات وأحكامها، وغير ذلك، إلا أن تناولها لهذه القضايا ينقصه تطبيقاتها المعاصرة أو إنزالها على أمور معاصرة يحسها المتعلم وربطها بالشرع المطهر، فمثلاً في موضوع المسابقات وأحكامها من الأفضل ربطها بالمسابقات الأكثر متابعة وممارسة في مجتمعنا السعودي ككرة القدم والألعاب الذهنية والإلكترونية، وكيف نجعل من هذه الألعاب والتنافس فيها مظهراً من مظاهر التآلف والترفيه المباح بدلاً من التعصب المذموم والفرقة!
وكذلك من الأفضل أن يشمل المنهج زيادة التشجيع لممارسة الرياضات بأنواعها المعاصرة لتحقيق أحد أهداف الرؤية وهو ارتفاع نسبة ممارسي الرياضة في المجتمع السعودي بحلول عام 2030م.
ولم يغفل القائمون على تطوير المناهج الشرعية عن تحذير المتعلمين من كل ما قد يسبب لهم الضرر الفكري من المذاهب الفكرية الهدامة كالعلمانية والإلحاد والقومية والوجودية، ولكن هناك ما هو أخطر على مجتمعنا فكرياً في الوقت الحاضر من هذه المذاهب الفكرية، وتكمن خطورتها في تأثيرها بشكل ملحوظ على بعض أبناء المجتمع وهي أفكار الجماعات المنحرفة التي تنتسب للإسلام لتحقيق أهدافها السياسية كحركة الإخوان المسلمين الإرهابية وجماعة التبليغ، فمن الأفضل التعريف بهذه الجماعات في المقررات الدراسية وبيان أهدافها الحقيقية وخطرها على المجتمعات الإسلامية.
وكذلك من الموضوعات التي أرى أنها في غاية الأهمية أن تكون موجودة في المناهج الشرعية-خاصة مع التغيرات التي تحصل في المجتمع ولارتباطها برؤية المملكة العربية السعودية 2030 لكون الدين الإسلامي ومبادئه مرتكزاً أساسياً في هذه الرؤية المباركة- موضوع تغير الفتوى أو الثوابت والمتغيرات في الفتوى، وتوضيح الفرق للمتعلم بين الفتاوى المبنية على دليل ظاهر والفتاوى الاجتهادية التي ليس لها دليل ظاهر وهي اجتهاد من المفتي في زمن معين تتغير بحسب الظروف والمتغيرات المحيطة بها.
ومن الموضوعات التي من الأفضل أن تحويها المناهج الشرعية استشراف المستقبل أو الرؤية المستقبلية وما لها من أهمية في إصلاح المجتمع والسعي لتحقيق الأهداف المأمولة، وتجنب المخاطر والمشكلات المحتملة، فقد جاءت السنة النبوية بالكثير من الأحداث المستقبلية التي ستقع وحذرت من فعل أمور ورغبت في فعل أمور أخرى.
هذه بعض الملاحظات اليسيرة، ولعلنا -بعد تيسير الله- أن نتحدث في مقال آخر عن ملاحظات أخرى للسعي في تطوير محتوى المناهج الشرعية لتحقيق آمال قيادتنا الرشيدة وتطلعاتهم في رؤيتهم المباركة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 .
** **
حمد بن سليمان بن عثمان التركي - باحث دكتوراه في الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية