عبدالوهاب الفايز
صباح الجمعة الماضي عشنا حدثاً وطنياً قدم لنا أهمية (الاستثمار في بناء الإِنسان)، وأهمية الاستثمار في مشاريع المستقبل، وبناء الإِنسان مشروع تبنته الحكومة السعودية منذ خمسين عاماً، وكان في مقدمة المشاريع المستثمر فيها بسخاء، وأحد ثمار مشروع التأهيل هذا رأيناه صباح الجمعة حيث تم بنجاح إطلاق القمرين الصناعيين (سعودي سات أ5) و(سعودي سات ب 5) على متن الصاروخ الصيني (Long March 2D) من قاعدة جيوغوان بجمهورية الصين الشعبية.
هذا الإنجاز لم يأت يسيراً، وتحقق بعد الجهود التي بذلتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية منذ 18 عاماً حيث كثفت اهتمامها بمجال تقنيات الأقمار الصناعية وترتب على هذا التوجه تمويل عديد من الأبحاث والدراسات في مشاريع نقل وتوطين وتطوير تقنيات الأقمار الصناعية، وهذا النجاح الذي يعد بداية لمشروع كبير ومستمر، بحول الله، سوف يقود إلى المشروع الأهم وهو: توسع تأهيل الموارد البشرية السعودية، حتى تستطيع التعامل مع هذه التقنيات المتطورة، وقد رأينا العدد الكبير من أبنائنا الخبراء في مجالات عديدة يقودون مثل هذا المشروع.
الذي نتطلع إليه هو (التوسع في الإنفاق) على مثل هذه المشاريع النوعية، فعلوم وأبحاث الفضاء قادت إلى الثورة العلمية في العلوم الأساسية وفِي ظهور عديد من المخترعات في المجالات الحيوية. في المملكة بدأنا هذا المشوار، وتم إنشاء بنية تحتية متطورة في مدينة الملك عبدالعزيز، وهذه البنية مكنت وساعدت على تطوير وتصنيع القمرين الصناعيين في معاملها.. وبكوادرنا الوطنية.
التوسع في الإنفاق على أبحاث الفضاء هو قاطرة لسلسلة من الأبحاث والمنتجات التقنية، ويقود إلى اكتشافات جديدة لم تكن في الحسابات والتوقعات، كما يؤدي إلى تنمية مواهب وكوادر بشرية وطنية يتطور لديها اتجاهات جديدة في العلوم، والأهم أن علوم وأبحاث ومنتجات الفضاء هي أفضل وسيلة لاستثارة الخيال العلمي في المجتمع، وبالتالي تعميق حب وتقدير العلوم، بالذات لدى طلاب المدارس.
وإقبال شبابنا على أبحاث وعلوم الفضاء والتطبيقات والتقنيات المتعلقة بها أصبح في السنوات الأخيرة أمراً ملحوظاً في بلادنا، وهذا ما أشار إليه الأمير سلطان بن سلمان، فبحكم قربه من هذا المجال، يدعو إلى خطوة جديدة، إِذ يرى أن إقبال الشباب السعودي (يؤكد على أهمية أن ترسل المملكة رواد فضاء يشاركون في الأبحاث العلمية في المجالات التقنية المتقدمة)، وما يتطلع إليه الأمير سلطان هو (رؤية رواد فضاء من العلماء السعوديين يشاركون في محطة الفضاء الدولية، وغيرها من البرامج المهمة).
في مشروع إطلاق الأقمار الصناعية الفوائد، أو العائد على الاستثمار، يتوزع على أمور عديدة، فالاستفادة من القمرين الأخيرين سوف تجنيها الجهات الحكومية لدينا حيث سيتم تزويدها (بالصور الفضائية عالية الدقة التي تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، وذلك لاستخدامها في شتى مجالات التنمية الوطنية).
نرجو ونتطلع إلى توسع هذا المشروع، فرؤية شبابنا وهم يتولون إدارة وتشغيل القمرين الجديدين من محطة التحكم في مقر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض، يأخذ خيالنا وطموحنا إلى الآفاق، وفعلاً: لماذا نتواضع في طموحنا؟
يجب أن نكون سباقين في هذا المجال، لدينا تجربة إطلاق 13 قمراً صناعياً سعودياً ما بين عامي 2000 و2017، وشاركنا في تنفيذ تجارب علمية في الفضاء الخارجي بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وجامعة ستانفورد من على متن القمر (سعودي سات 4) في عام 2014هـ، وكذلك شاركنا في مهمة (تشانق آي4) بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية في عام 2018م لاستكشاف القمر، وأعود إلى الأمير سلطان بن سلمان (فقد اقترح قبل أكثر من 10 أعوام وتحديداً في عام 1429هـ وضع برنامج مشترك لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، للبدء في التحضير لمشاركة المملكة في محطة الفضاء space station، والعمل على وضع أول عالم سعودي على المحطة خلال ثلاث سنوات ضمن برنامج أبحاث مركز).