يوسف المحيميد
لم يتدخل رئيس دولة في الاقتصاد العالمي بشكل مباشر كما يفعل الرئيس الأمريكي ترامب هذه الأيام. فمن الطبيعي أن يكون الرئيس أو القائد في أي دولة يعرف أصغر التفاصيل فيما يخص اقتصاد بلده، وما يحدث فيه من تحولات، ويتدخل أحيانًا لتقويم اقتصاده وتقويته، لكن أن يقرر ما هو السعر المناسب وغير المناسب للنفط فهذا أمر لا يليق به مطلقًا.
ومن الطبيعي ألا تقبل دول أوبك مثل هذه الإملاءات، ولا حتى الدول من خارج أوبك، والمتحالفة مع المنظمة، وعلى رأسها روسيا؛ فالجميع يدرك أن ارتفاع الأسعار إلى أسقف عالية مضر تمامًا كما هو شأن الأسعار المنخفضة؛ فتراجع أسعار النفط لا تتضرر منه الدول المصدرة فحسب، وإنما حتى الدول المستهلكة، والدول الصناعية المستوردة للنفط؛ إذ من أبرز مخاطر الانخفاض هو أثرها السلبي في معدلات التضخم في الدول الصناعية، إضافة إلى تراجع الاستثمارات في القطاع النفطي، والصناعات المرتبطة به، وتعطُّل المشروعات القائمة، وما يلحق ذلك من تسريح وفصل عمال، وارتفاع معدلات البطالة.. وما إلى ذلك.
نحن جميعًا بحاجة إلى تحقيق التوازن في الأسواق العالمية، الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. وهذا هو الدور المهم والرائد الذي تقوم به المملكة منذ عقود؛ إذ ضحت كثيرًا بكميات إنتاجها خلال أعوام 1986 و1994 و2003 كي تصحح الأسعار وهي تقود أوبك، وتنفرد أحيانًا بدورها حين يتقاعس الأعضاء الآخرون؛ لتحافظ على استقرار السوق، والاقتصاد العالمي بشكل عام.
وأنا أكتب هذا المقال قبيل ساعات من الاجتماع الخامس لوزراء دول أوبك وخارج أوبك أتمنى أن يستمر هذا التناغم المميز بين السعودية وروسيا، وأن تستمر روسيا وغيرها من دول خارج أوبك في العمل كحلفاء حقيقيين، والموافقة على خفض الإنتاج بمقدار مليون أو مليون ونصف المليون برميل يوميًّا؛ كي يستعيد السوق عافيته مجددًا. ولعل المملكة التي أخذت زمام المبادرة والقيادة للسوق على مدى نصف قرن تستطيع أن تفعل ذلك في كل الظروف المتغيرة.