د.ثريا العريض
يوم الأحد التاسع من ديسمبر عقد الاجتماع السنوي المعتاد نهاية كل عام لقيادات مجلس التعاون الخليجي, وهي هذا العام القمة الـ39 التي تعقد في الرياض مقر أمانة مجلس التعاون منذ أسس في 1981، وحضرها من قادة الدول الخليجية ثلاثة، وناب عمّن لم يحضر ممثل له.
واتفقت الكلمات الافتتاحية قبل الجلسة المغلقة على أن الهدف الأصلي من تأسيس المجلس وهو المحافظة على أمن وخير المنطقة, وأمان مواطنيها ما زال قائماً، وأن أوضاع اليوم ما بين الجارات وإقليمياً وعربياً وعالمياً يتطلب مواصلة العمل معاً لتحقيق ذلك الهدف الأهم.
ولاجتماعات مجلس التعاون منذ تأسس سجل واكب في مجرياته ونقاط تركيزه تاريخ مستجدات الأحداث في المنطقة العربية والخليجية وبالذات ما يتعلق بالأمن والعلاقات البينية, ومع الأطراف الخارجية. وخلال قرابة 4 عقود استجدت تحديات كثيرة ومخاطر استطاعت دول المجلس حسم بعضها والتحكم في نتائج بعضها الآخر, وظل بعضها ينتظر حلاً جذرياً. وهو تاريخ موسوعي لن تستوعبه مساحة مقال محدود.
واكب عقد القمة الذكرى الرابعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الذي استلم زمام قيادة المملكة نهاية عام 2015 في ذات الوقت الذي دخلت فيه المنطقة مستجدات تهدد الأمن والاستقرار, فواصل مسيرة سابقيه للتصدي لكل خطر كشر عن أنيابه مهدداً الجوار، كما فعل في الأزمات الأسبق إخوته الراحلون -رحمهم الله-؛ الملك فهد دفاعاً عن الكويت أثناء الغزو, والملك عبدالله دفاعاً عن البحرين ومحاولات توليد ثورة داخلية.
أخطر المخاطر كان ذاك الذي يأتي محملاً بسم عدو مستتر ينفث سمومه كثعبان أو عقرب عبر قريب في الجوار. فحين اتضحت وراء الغدر نية إيران على التهام سيادة وخيرات الجوار تصدت التحالفات الخليجية والعربية والإسلامية بقيادة السعودية عبر كل جبهة حاولت تأجيج التصدع فيها.
أما الجبهة الأخرى التي واصلت السعودية جهود حمايتها فكانت فلسطين، بالإصرار على حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم عاصمتها القدس وحدودها ما جاء في مبادرة الملك عبدالله العربية للسلام أي حدود 1967 منعاً للمزيد من التمدد الصهيوني بوضع اليد كما ظلت إسرائيل تفعل باسم الدفاع عن حقها في التمدد عبر الاستيطان. الهلال الخصيب ووادي النيل ليس ضمن حدود دول الخليج ولكنه ضمن حسها بمسؤوليتها عن أمن الجوار العربي كله، وما عايشته الدول العربية من سموم التدخل, وإشعال ثورات الربيع العربي المشؤوم ترك الديار التي نفذ عبرها فارغة من الأمن والاستقرار وآيلة للسقوط من شمال أفريقيا إلى اليمن وسوريا. وبمخطط لتواصل ذلك الشر والحريق ليلتهم أمن الخليج، ثم لم ينجح التخطيط واستطاعت دول الخليج التعاون لحماية نفسها, ومد يد العون لغيرها. وتأكد لها أن في الاتحاد السلامة وفي الانفراد ضعف.
سجل النجاحات الإيجابية لمجلس التعاون هو سجل تصدي الشقيقة الكبرى لكل مخطط عدو داخلي أو خارجي, ونجاحها في حماية وإعادة تأهيل أي شقيقة صغرى تستهدف, وفي خنق الإرهاب وخلاياه وأحزابه. ليس مستغرباً إذن أن يتحول الحالمون بالتهام خيرات المنطقة -عبر تفعيل شعارات استعادة الخلافة الإسلامية أو أقناع الأقليات لاستنفارها لتدمير أوطانهم- إلى استهداف المملكة مباشرة, بمحاولة تدمير سمعتها وإذابة ثقة الجميع بها.
من هنا تأتي قيمة نصيحة سمو أمير الكويت الذي يذكر ويقدر وقوف المملكة بجانبها في معركتها المصيرية ضد استلاب سيادتها في حرب الخليج الثانية؛ نصيحة رجل حكيم محب لإخوانه: «علينا وقف الحروب الإعلامية المدمرة المستهدفة للسمعة».
استهداف السمعة هو تسميم وإضعاف قوة الجمع المتحد لإسقاط الجميع.
وعلى أي قيادة تهلوست بمعايشة العقارب وبدأت بممارسة الحفر لدعم إسقاط استقرار إخوانها وجيرانها, أن تعي هذه النصيحة وتتوقف عن أوهام البقاء واقفة سالمة بعد سقوط الأقارب محتمية بالضباع.
وللحوار بقية.. لقراءة تفاصيل البيان الختامي واستقراء المستقبل.