د. حسن بن فهد الهويمل
المواجهة المتقنعة برداء [المعارضة] الأخاذ قد تبلغ بالمتصدي حداً لا يحتمل، وتفويت إجهاضها في الوقت المناسب تصرف محفوف بالمخاطر.
الحرب حربان: باردة تُجَهِّز، وساخنةٌ تنفذ. وقد تحز الباردة إلى العظم، وقد تمهد لحرب ساخنة، لا تبقي، ولا تذر، تهيء لها النصر المؤزر.
الحرب النفسية جزء من الحرب الباردة، وحين يفقد الإنسان الثقة بنفسه، ويصاب بالوهن، والهوان، والضعف، وقلة الحيلة يكون لُقْمَةً سائغة، لا يحتاج لأكثر من رصاصة الرحمة.
الهزيمة النفسية تستتبع القابلية للاضطهاد، وهي أشد من القتل. والتأجيل، أو التردد يؤدي إلى خلط الأوراق التي تفوت فرص الحسابات الدقيقة، والتوقيت الأدق للتحرك في الوقت المناسب.
إن التحرف، والتحيز المحسوبين بدقة يَخْتَصِران الجهد، والوقت، والمال، ويصونان الأنفس، والأعراض، وسائر المثمنات من الإزهاق، والتدمير، ويحققان ما يحققه القصاص:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}.
دول أضل أبناءها السَّامِرِيُّ، فَخَرَجت من متن التاريخ إلى هامشه، ومن نعيم الحياة السوية إلى ردغة الجوع، والخوف، وتخطت حافة الفقر إلى قعر المجاعة، وخسرت في أيام معدودة ما أنجزته في عشرات السنين، وهي تحسب أنها بفعلها السيء تحسن صنعًا.
[المعارضة] حين تكون نقية تقية، لابد من تجويد فهمها، ولا بد من إتقان عرضها، ولا بد من التوقيت الدقيق، وتهيئة الأجواء الملائمة. ولكل من التحفظات مقتضيات، ومحققات.
فحسن الفهم متحقق بتحرير المصطلح، والتفريق بين منازعة الأمر أهله، والسعي لانتزاع السلطة للذات المعارضة. وبين إصلاح الخطأ، والتذكير بالأفضل. فَحَمْلُ هم الإصلاح واقٍ من الإهلاك، وهو جزء من الأمان:-
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ولم يقل صالحون. فالصلاح عائد للذات، والإصلاح عائد للأمة، وهذا لبُّ المعارضة. لأنه قال:- {وَأَهْلُهَا}، ولم يقل: {وَحُكَّامُهَا}.
أناس أذكياء ينطبق عليهم المثل العامي:- [يَعْرِفْهَا وِهِي طَايرَه]. وآخرون متبلدون ينطبق عليهم المثل العامي:- [يِشِيْلِه الشِّعِيب ويَقُول سِيل].
وطوائف تعرف منهم، وتنكر ينطوون على ضغائن، وأحقاد غذتها انتماءات حزبية، أو ولآآت طائفية، يخفونها في صدورهم. وتتفلت بها ألسنتهم، دالَّة على طوياتهم السيئة كما [البعرة تدل على البعير].
ما كنت أتصور أن من بين أظهرنا، ومن خلطائنا من يود زوال ما أفاء الله به علينا من النعم.
نعمة الإسلام السلفي.
ونعمة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر عبر جهاز قائم، ومن خلال خمسين ألف خطبة، أو تزيد تضخ من منابر الجُمَعِ كل عام.
ونعمة إقامة الصلوات في المساجد التي تصدح مآذنها بالأذان، وتتوقف معها الحركة.
ونعمة تعلم القرآن، وتعليمة.
ونعمة التكافل الاجتماعي عبر آلاف الجمعيات الخيرية، والمراكز الإغاثية.
هذا الصنف المغامر بالفتن التي لا تصيب الذين ظلموا خاصة، يبدو شرر الشر من عيونهم، وفحيح الحقد من صدورهم.
أجنحة الشر، وقنوات الضرر، تعدد مواقعها، وتنوع أسلحتها. و[المعارضة] بمسماها الخداع يشكل رأس الحربة لكل من أراد تمرير لعبه القذرة.
أجنحة الشر تَعيش لحظاتها الأخيرة، ولكل ذبيح رفسته المؤلمة.
ومن الخير أن نكون حذرين، ولا تخدعنا دموع التماسيح.
النظر في المرايا المتعددة مشروع، بل هو مطلوب.
والعقلاء من يستمعون القول من كل المتحدثين، بما فيهم الأعداء، ويتبعون أحسنه. والعاقل المحظوظ من وعظ بغيره. فلا مكان لوضع الأصابع في الأذان، واستغشاء الثياب، ولا مكان للإصرار على الخطأ، ولا مكان للاستكبار. نحن وسط اللهب، والشر محدق بنا من كل جانب:-
حَبْلُ الفَجِيْعَةِ مُلْتَفٌّ عَلَى عُنُقِي
مَنْ ذَا يُعَاتِبُ مَشْنُوقَاً إذا اضْطَرَبَا