د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
بلادنا مترامية الأطراف، متنوعة التضاريس، مختلفة المناخات، وهي بحجم قارة صغيرة. وعندما تسافر لأي زاوية بعيدة منها تلاحظ توفر الخدمات الجيدة والبنى التحية المتميزة فتحمد الله أولاً على كافة النعمة وتشكر المسئولين على ما قدموه من جهود لتوفير هذه الخدمات. ونظرًا للتنوع المناخي والتباين الطبيعي الفطري تتوفر لدينا إمكانيات سياحية كثير منها ما هو غير مستغل وهذا ما فطنت له حكومة خادم الحرمين مؤخرًا ممثلة في سمو ولي العهد ليتم البدء في استغلال بعض هذه الإمكانيات في نيوم وما جاورها، والبدء في إنشاء محميات فطرية تحافظ على البيئة نتمنى أن يمتد لمناطق أخرى.
وكنا مؤخرًا في زيارة لأرخبيل فرسان الساحر القريب من مدينة جيزان الجميلة، وقد ذهلنا لجمال هذه الجزر وسحرها وجاذبيتها التي قد تحسدنا عليها دولاً عديدة. جزر بكر متناثرة كاللآلئّ في مياه لازوردية صافية متدرجة الألوان. غير أن ألوان المياه وللأسف بدأت في التغير وشعبها المرجانية بدأت في التآكل بسبب الطمع البشري الذي يعمي البصر والبصيرة ويجرف كل ما يقابله دونما اكتراث بأن المال يأتي ويذهب ولكن هذه الطبيعة الساحرة لا يمكن استردادها حال فقدانها. والغريب أن معظم الصيد الجارف المدمر تقوم شركات من خارج المنطق وبأيدي عاملة أجنبية. فأهالي المنطقة تعايشوا مع الجزر لمئات السنين ولم يؤثروا فيها، وكذلك فعلت جميع الحملات العسكرية المتعددة التي مرت على المنطقة ولا زالت آثارها موجودة اليوم، آثار يونانية، وبرتغالية، وألمانية موجودة على شكل مباني وحصون، ولكنها لم تعبث ببيئة الجزر.
بدأ العبث ببيئة الجزر بشكل مؤسف حقًا عندما بدأت شركات الأسماك تصطاد في المنطقة الصغيرة الغنية جدًا بالشعب المرجانية والثروات البحرية. فاستوردت هذه الشركات في بادئ الأمر عمالة عربية ذهلت من توفر الأسماك الكبيرة داخل الشعب المرجانية فكانت تدمرها من أجل إخراجها، ويقال إن الكثير من هذه العمالة الجاهلة وغير المكترثة تعجب هو نفسه كيف يسمح له بممارسة كهذه لا يستطيع الإقدام عليها في بلده الأصلي؟! ثم جُلبت عمالة آسيوية جاهلة وأسوأ من سابقتها عبثت بما تبقى من الطبيعة، فالشواطئ الرملية الجميلة امتلأت بكل ما تجرفه الأمواج مما تلقيه هذه العمالة في البحر. فعلب الزيوت التي تستخدم في المراكب تملأ الشواطئ، وأكياس وحاويات البلاستيك في كل مكان. والأسواء من هذا كله جرافات قاع البحر التي تهدف لجمع الربيان فتجرف كل ما يقابلها من أحياء فطرية وشعب مرجانية، ولا تزال هذه القوارب تجوب هذا الأرخبيل الضيق بناء على تصاريح صيد رسمية!! وهناك تدهور مستمر ومتسارع ليس فقط في عدد الشعب المرجانية المدمرة بل وفي طبيعة وألوان المتبقي منها. وللأسف فالكثير مما يجمع من الربيان يصدر للخارج من أجل المال والمال فقط، من أجل المال يدمر كل شيء جميل في هذه الجزر الساحرة. ووزارة الزراعة مسئولة عن تصاريح الصيد في المنطقة.
هناك جهود مشكورة من هيئة السياحة لتنظيم السياحة في المنطقة لكنها ربما تحتاج لتعاون أوثق مع أبناء هذه الجزر، وتحتاج لجهود توعوية ضخمة للحفاظ على الطبيعة فيها. وليتنا نتعلم من تنظيم السياحة في بعض الدول التي سبقتنا حيث تكون السياحة مصدر دخل حصري لسكان المنطقة لا يشاركهم في أي شركات من خارج المنطقة بحيث يحرص السكان المحليون على تطوير مناطقهم والحفاظ عليها بأنفسهم كمصدر رزق لهم، ويكون دور الهيئات الحكومية تقديم الدعم. فيكون دور هيئة السياحة الرقابة وتقديم الثقافة المطلوبة سواء في أمور الإيواء والفندقة، أو تنظيم الأنشطة السياحية والمطاعم بحيث يدرب أبناء المنطقة على إدارة هذه الخدمات بشكل راق ولا يضطرون معه للهجرة للبحث عن لقمة العيش في مدن ومناطق أخرى.
هناك مطار قيد الإنشاء في فرسان وهذا سيكثف رحلات السفر لها، وسيزيد الضغط على مواردها الطبيعية وما لم يتم الاستعداد لذلك من اليوم قد نجد أنفسنا غير قادرين على الحفاظ على ما تبقى من هذا الفردوس الجميل. وفرسان هي امتداد طبيعي لنيوم وتقع على سواحل البحر ذاته، وعندما يبرد الطقس في نيوم يكون رائعًا في فرسان، وعلى العكس في الصيف تكون فرسان حارة ونيوم معتدلة وجميلة. فالتكامل والتناغم السياحي بين المناطق السياحية في بلادنا مهم جدًا لجعلها وجهة سياحية مضمونة على مدى السنة. ولكن علينا استدامة هذه الطبيعة الخلابة، فليت المحميات الطبيعية تمتد لهذه المنطقة قبل فوات الأوان.