رقية سليمان الهويريني
إن النجاح الذي حققه مجلس التعاون بقدرته على الاستمرار ما يقارب أربعين سنة من خلال تعزيز خطوات التقارب والتنسيق في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين دوله وجيرانه العرب والإقليميين؛ يعد نجاحاً باهراً سيما أن تجربة المجلس هي التجربة العربية الوحيدة الناجحة على مستوى التعاون الإقليمي في المنطقة.
وهذا النجاح قاد الملك عبد الله - رحمه الله- لفكرة التحول من التعاون للاتحاد، وهي فكرة لا شك رائدة، لأنه أدرك أن بقاء المجلس على ما هو عليه لم يعد ملائماً للمستقبل، حيث تعثّرت مسيرته الطويلة في الوظيفة التكاملية طوال الثلاثين عاماً الماضية في ضوء تراكم التحديات الاقتصادية والسياسية، ولعله يتم استدعاء فكرة (الاتحاد الخليجي) مرة أخرى، حيث سيوفر ذلك لدول المجلس فرصة إحداث تغييرات سياسية متدرِّجة واستكمال الإصلاحات الفعلية وصياغة منظور جديد للأمن الإقليمي لتجنب الانزلاق للفوضى التي عانت منها بعض الدول العربية بسبب التدخلات الخارجية!
وأزعم أن فكرة الاتحاد إيجابية، بل ضرورية سيما أن المجلس منذ إنشائه عام 1981وهو يسير على خطوات التكامل والاندماج الاقتصادي، حيث بدأت بالاتفاقية الاقتصادية الموحَّدة، ثم إلى منطقة التجارة الحرة عام 1983 ، ثم إلى الاتحاد الجمركي عام 2003 ، والسوق المشتركة عام 2008 ، والاتحاد النقدي عام 2010 ، إضافة إلى المشروعات المشتركة كالربط الكهربائي ومشروع سكة حديد الخليج.
وخلال مسيرة المجلس واجهته تحديات إستراتيجية سياسية حالت دون الاتحاد مثل التباين في أنظمة الحكم بين الدول رغم تماثلها في كونها حكماً وراثياً إلا هناك تفاوتات سياسية عديدة كدور البرلمان في الحياة السياسية، وكذلك تباين الأولويات والأخطار، فدول المجلس لا تمتلك جميعها نفس النظرة والرؤية للإحساس بالخطر، فقطر ترى أن إيران حليف لها، أما سلطنة عمان فلا تراها تهديداً أمنياً بالدرجة نفسها التي تراها السعودية والبحرين والإمارات أو الكويت.
إن هذه التحديات والظروف قد تحول دون تحقيق الهدف حالياً، ولكن الشعور بالخطر واتفاق الرؤى الاقتصادية حول تنويع مصادر الدخل بالاعتماد على مصادر مستدامة بعيداً عن النفط وتقلبات أسواقه قد يدفع لمزيد من التقارب وبالتالي الاتحاد المنشود.