إن حقوق ولاة الأمر والحب والولاء المتبادل بينهم وبين الرعية، قد قررتها النصوص الشرعية التي هي أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وكما تعلمناه في جامعاتنا وعلمناه طلابنا عبر سلسلة من المحاضرات والندوات والمؤتمرات العلمية التي تقيمها جامعاتنا، وفي مقدمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث أولت هذا الجانب الأهمية والعناية القصوى، وذلك من خلال أصحاب الفضيلة مسؤولي الجامعة وأساتذتها، واستقطاب أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وغيرهم من العلماء الأفاضل.
فمن ثوابت الإسلام أن طاعة ولي الأمر في غير معصية الله -عز وجل- واجبة على كل مسلم، فما دام ولي الأمر قد عُقد له الحكم ببيعة الناس فقد وجبت طاعته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (الآية 59، سورة النساء).
إن ولاة أمرنا -حفظهم الله تعالى- لهم مكانة جليلة ومنزلة رفيعة منحتهم إياها الشريعة الإسلامية لعظم مهامها وخطورة مسؤولياتهم، وكذلك ما يكنه أبناء هذا الوطن المعطاء لولاة أمرنا على امتداد التاريخ من الحب والولاء والتضحيات.
لقد أحزنتني الهجمة الشرسة التي تتجه في الآونة الأخيرة بقوة وعنفوان إلى وطني الغالي قلب الأمة الإسلامية حفظها الله تعالى وحماها من كل سوء، ورد كيد أعدائها إلى نحورهم، لقد أدرك أعداء أمتنا الإسلامية قوة هذا الوطن الغالي، ومكانته الكبيرة في عقول وقلوب ونفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ لما تبذله من جهود مضنية في سبيل حماية التوحيد، وصيانة حوزة الدين، وخدمة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن قضاياهم في المحافل الدولية كافة.. وساءتهم النعم والخيرات التي حبا الله تعالى بها هذه الأرض المباركة، وقد وجد الأعداء لا سبيل أمامهم للنيل منا إلا عن طريق إحداث الفتنة بين أبناء هذا الوطن الغالي، وهكذا بدأت المؤامرة الخبيثة، وانطلقت شرارتها منذ سنوات، والمحصلة نعرفها جميعاً من خسائر في الأرواح والأنفس والاقتصاد، وشن حملات التخويف والتفزيع بين المسلمين في كل مكان والسؤال الآن: لِمَ كل ذلك؟ ولمصلحة من؟!
إن ولاة أمرنا لهم دور كبير في حماية الدين وسياسة الدنيا، وعصر العولمة والانفتاح الذي نعيش فيه مليء بالتحديات الجمة، التي تعصف به في المجالات المختلفة: (الدينية، والعلمية، والسياسية، والاقتصادية، والعسكرية.. إلخ).
إننا أبناء أمة واحدة، ومصلحتنا واحدة، ودماؤنا واحدة، إنني أدعو الجميع للالتفاف حول ولاة أمرنا -حفظهم الله تعالى-، والدعاء لهم ومؤازرتهم، والسَّمْع والطَّاعة لهم في العسر واليسر والمنشط والمكره وألا ننازعهم الأمر، وأن نقوم بالحق لهم حيثما كنا، ولا نخاف في الله لومة لائم، كما ثبت في الصحيح، وأن نعمل العقل ونستمع إلى صوت الضمير الحي والفطرة اليقظة التي تغلب صوت الحكمة على نعيق الفرقة والتشرذم.
إن ولاة أمرنا جزء منا، ونحن منهم، وهم منا، ولهم حقوق ثابتة علينا، شرعها لهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما لنا نحن أيضاً عليهم حقوق ثابتة شرعها لنا الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فطاعتهم واجبة علينا كما قرر علماء السلف والخلف رحمهم الله تعالى، قال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: «من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
إن من له أدنى بصيرة، وأدنى نظر في أحوال الأمم والجماعات البشرية، وعوامل وأسباب العمران والاجتماع البشري -كما ذكرها ابن خلدون وغيره- يدرك أهمية الالتفاف حول ولاة الأمر ودعم قوتهم، وشحذ همتهم، واستنهاض طاقاتهم للبناء والتعمير وتشييد وصناعة كل مظاهر الحضارة والمدنية التي تتحقق بها مصالح العباد والبلاد، فيسود الأمن والأمان ويعم الرخاء والسلام ويمكَّن لدين الله في الأرض.. كما يجب على أبناء ومنسوبي الجامعات الوقوف مع علماء هذه البلاد ومؤازرة رجال التعليم والالتفاف حولهم والإسهام في تثقيف المجتمع وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
أسأل الله العلي الكريم أن يلهمنا أمر رشدنا، وأن يشرح صدورنا، وينير عقولنا وأفهامنا، وأن يوحد صفوفنا، ويجمع كلمتنا، وأن يمكِّن لولاة أمرنا ويديم عزهم ومجدهم ما نفعوا
الإسلام والمسلمين، وأن ينصرهم على أعدائهم، ويرزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الحق وتعينهم عليه، وأن يجعل راية التوحيد على أيديهم عالية خفاقة دائماً.
** **
د. عبد الله بن محمد السبيعي - رئيس قسم الدعوة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية