تتجدد أفراح المواطنين السعوديين بمناطق المملكة مع حلول الذكرى الرابعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملكاً للمملكة العربية السعودية، ولولي عهده -حفظهما الله ورعاهما-، حيث مضى خادم الحرمين الشريفين منذ توليه مقاليد الأمور قدماً بمسيرة الوطن، ولم يألُ جهداً في المجالات المختلفة على المستويين الداخلي أو الخارجي، وشهدت البلاد وما زالت تشهد نمواً حضارياً مطرداً ومشروعات تطويرية في المجالات كافة، شاملة لكل بقعة بالمملكة، ومع كل ذكرى للبيعة ودوماً يشعر المواطن بالفارق التنموي المتجدد وكثافة مخرجات المشروعات العملاقة التي تتحقق له بكل شأن ومجال، وتهدف لراحته ورفاهيته وطمأنينته.
شواهد تميّز الحكم بالمملكة
تعد مراسم البيعة والانتقال السلس للسلطة شاهداً من شواهد تميز الحكم في هذه البلاد؛ إذ جاءت مراحل انتقال الحكم وولاية العهد في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة سلسة وانسيابية وواضحة ومجمعاً عليها من أفراد الأسرة الحاكمة والشعب بجميع أطيافه، وبعد أقل من أسبوع على توليه الحكم أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قرارات ملكية مهمة مثـلت نقطة تحول تاريخية تبشر بفجر جديد، وخطوات نوعية حكيمة من القيادة الرشيدة قوبلت بالاستبشار والقبول من الشعب السعودي الكريم، وجاءت ملبية لاحتياجات المملكة، ومنسجمة مع طبيعة التطور والتغير في الظروف الداخلية والخارجية، عكست رؤية ثاقبة وركزت على ضخ دماء جديدة وشابة في الوزارات والمناصب القيادية ذات فكر جديد تحتاج إليه المرحلة الحالية، في دلالة على عمق تفكير وثاقب بصر لدى متخذ القرار تجسد في استقراء حقيقي لواقعنا اليوم وما يمكن أن يكون من تطور مستقبلاً، ضمن المتغيرات التي تعيشها المنطقة من أوضاع بالغة الحساسية وفي وقت حرج، وهو ما يعكس نظرة بعيدة المدى للملك سلمان الذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه رجل المرحلة، ويعمل بصمت دون مزيد من الأضواء والضجيج ليدع النتائج تعبر عن ذاتها، وجاء تشكيل الحكومة من الكفاءات الشابة المستنيرة من أصحاب الخبرة العملية التنفيذية، ليترجم السعي نحو القضاء على البيروقراطية التي تعيق الكثير من الإنجازات، ويؤكد العزم على تطوير الأداء الحكومي، وعكس إلغاء بعض المجالس العليا والهيئات ذات الاختصاصات المتداخلة والصلاحيات غير الواضحة انتباه القيادة إلى كون القرارات والأنظمة والسياسات تسير بوتيرة بطيئة جداً نتيجة طول الدورة التي يمر بها القرار، وبالتالي فإن إلغاءها وحصرها في مجلسين فقط بعضوية أعضاء مجلس الوزراء يجعل من آلية اتخاذ القرار أكثر سهولة وسرعة وتركيزاً وقرباً لولي الأمر.
سلمان وحكمة القيادة
لقد عاصر رجل الدولة الملك سلمان، ملوك هذه البلاد منذ أن أسسها المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وتعلم من والده وإخوته الملوك إتقان العمل الإداري وهو على دراية كاملة بأدق التفاصيل في الدولة، والشعب السعودي ينعم -ولله الحمد- بقيادة حكيمة سارت على نهج مؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، فكان ملوك هذه البلاد على مر السنين أوفياء لوطنهم وشعبهم وكرسوا جهودهم لخدمة الدين والوطن وعملوا على إسعاد المواطنين وتوفير سبل الراحة والعيش الرغيد لهم، كما صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نظام رسوم الأراضي البيضاء، الأمر الذي يسهم في تقليل تكلفة الحصول على المسكن الملائم وبخاصة لذوي الدخول المحدودة أو المنخفضة، واليوم المملكة وهي تعيش عصر الحزم فإنها أيضاً تعيش عصر الريادة في المجالات التنموية كافة.
البيعة نظام يرتكز على الشرع
دأبت المملكة بملوكها وقيادتها الراشدة على السير على منوال ما شرعه الإسلام من البيعة، فعمدت إلى تأسيس هيئة البيعة في ليلة السابع والعشرين من رمضان 1427هـ، بأمر ملكي، لتصبح الأنظمة الأساسية للحكم في المملكة خمسة، وهي: النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، ونظام هيئة البيعة، وهي تشكل ملامح الدولة السعودية الحديثة، وتؤمن مستقبل الاستقرار للأجيال القادمة بضمان أن يصل إلى السلطة الأصلح والأفضل، ولم يكن هذا النظام الجديد محل ترحيب وسعادة الشعب العربي السعودي وحده، بل كان له صداه الإيجابي في أنحاء العالم العربي والإسلامي؛ ذلك لأن أمن واستقرار المملكة العربية السعودية ورفاهية شعبها ينعكس على عالمها العربي وأمتها الإسلامية بالخير والدعم والرخاء، وقد أتى نظام هيئة البيعة ضمن سلسلة الإصلاح والتحديث والعمل السياسي المنظم في المملكة لدولة تنطلق من شرع الله ونهج الكتاب والسنة، والإفادة من النظم المعاصرة ولاسيما الشأن السياسي والشأن الدستوري، كما يعد تطويراً وتفسيراً لنظام الحكم وفق البواعث والمتطلبات والمستجدات بما يزيد مؤسسة الحكم في البلاد رسوخاً وقوة وحيوية، وتجسيداً عصرياً لأسلوب البيعة الإسلامية المتجذرة منذ عهد الخلافة الراشدة، وطبقت هيئة البيعة سياسة الملك الموحد جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، حيث إن مؤسسات الدولة الحديثة يتم إنشاؤها طبقاً لمتطلبات كل مرحلة من المراحل، وهذا يشير بالضرورة إلى أن الدولة ماضية بكل عزم وإصرار نحو استكمال مسيرة التنمية والعطاء وتتيح مستلزمات وأدوات إدارة الدولة الحديثة المتطورة.
والبيعة ميثاق وعهد ووضع اليد باليد بقصد البيعة، فهي ميثاق غليظ، وعهد مسؤول (إن العهد كان مسؤولاً)، وهي واجبة على الرعية كلها، من باشرها بوضع اليد فقد أعلن وباشر، ومن لم يمكنه ذلك فبايع باللسان أينما كان، ومن لم يمكنه ذلك فيعقد النية في قلبه على ما بايع عليه جماعة المسلمين، ليدخل تحت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم» أخرجه الترمذي، ولأهمية أمر البيعة أشار القرآن الكريم إليها في أكثر من موضع، فقال تعالى في سورة الفتح: (إن الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوْق أيديهم)، وفي السورة ذاتها قال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)، كما أشار القرآن الكريم إلى بيعة النساء، دلالة على أهمية دورهن الفاعل في بناء الحضارة الإسلامية، فقال تعالى: (فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم)، ويقدم العهد السعودي عبر تاريخنا العربي المعاصر نموذجاً مثالياً للتعاليم الإسلامية الكريمة، يوضح بجلاء سمات البيعة القائمة على أسس قوية وقواعد مرعية وأعراف خالدة تستمد العون والرشاد من التعاليم الربانية والسنة النبوية، وتتسم مراسم إتمام البيعة بالمملكة بإلقاء الملك المبايع خطاباً للشعب، يوضح فيه المرتكزات الأساس لفترة حكمه، والتوجهات والسياسات التي يسير عليها، ويكون موعد الخطاب عادة في اليوم الأول أو الثاني من البيعة، وقد شهدت خطابات البيعة لملوك المملكة التأكيد على التمسك بكتاب الله وسنّة نبيه كمنهج حياة في كل صغيرة وكبيرة، وقد اتسم خطاب البيعة للملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، بالسير على النهج الذي سنّه مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، -طيب الله ثراه-، واتبعه من بعده أبناؤه، معاهداً الله ثم الشعب باتخاذ القرآن الكريم دستوراً، والإسلام منهجاً، وأن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين بلا تفرقة، كما ناشد الملك سلمان في خطابه إخوانه وأبناءه المواطنين بأن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة وعدم البخل عليه بالنصح والدعاء.