تأخذ حالة النهوض التنموي الكبيرة التي يشهدها الوطن في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - بعداً عالمياً كبيراً وزخماً اقتصادياً ضخماً انطلاقاً من مكانة المملكة التاريخية والسياسية والاقتصادية ودورها المؤثر في صناعة الأحداث.
فمنذ توليه زمام الحكم وحتى هذا اليوم الذي نحتفي فيه بمرور أربع سنوات من عهده الميمون قام - يحفظه الله - بتحويل المملكة إلى ورشة عمل كبيرة لإحداث نقلة حضارية عملاقة من خلال برامج التحول الوطني والرؤية التنموية 2030 التي تستشرف المستقبل وتتنبأ بمستجداته وتعد العقول والوسائل لمواكبة ما يحمل من ابتكارات علمية وتقنية تزيد من وتيرة السباق الحضاري والتنافسية العالمية بين الأقوياء وأقطاب التفوق.
لذا فقد بادر - يحفظه الله - بإعادة هيكلة البنية الاقتصادية بما يحقق التنمية المستدامة والاستثمار الأمثل للموارد التي تتمتع بها المملكة موجهاً الاهتمام نحو تنمية المحتوى المحلي وتنويع مصادر الدخل وتوطين الصناعات واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التبادل التجاري وإنشاء المدن الصناعية، والمدن الذكية والتوسع في المشاريع السياحية والترفيهية، مع توفير المشاريع الخدماتية المساندة وتنظيم المصروفات وترشيد الاستهلاك وتطوير التعليم والمواءمة بين مخرجاته وسوق العمل.
ولقد عشنا جميعاً أجواءً من السعادة والتفاؤل بصحبة الزيارات الميمونة التي قام بها مليكنا المفدى قبل فترة وجيزة إلى بعض مناطق المملكة وما حملت في طياتها من مشاريع الخير والنماء التي من بينها تدشين المرحلة الأولى من مشروع مدينة وعد الشمال التعدينية بمنطقة الحدود الشمالية، وإطلاق المرحلة الثانية من المشروع لتصل طاقته الإنتاجية بعد انتهائه تسعة ملايين طن سنوياً بما يجعل المملكة في المرتبة الثانية لإنتاج الفوسفات على مستوى العالم.
وغير بعيد عن وعد الشمال يبرز في شمال غرب المملكة المشروع العملاق (نيوم) الذي سيكون محطاً لاستقطاب قطاعات الاستثمار والابتكار والمعرفة ومنطقةً اقتصاديةً عالميةً تحكمها أنظمتها وقوانينها الضريبية الخاصة بما يحقق عامل جذب واطمئنان للمستثمرين وشركاء النجاح.
وعلى نفس النهج يأتي المشروع الحلم لتطوير واستثمار جزر البحر الأحمر وجعلها مقصداً سياحياً عالمياً على أرقى المواصفات والمعايير، وتحويل المدن السعودية إلى مدن ذكية، والتوجه إلى الطاقة البديلة، ونشر شبكة الطرق الحديدية وغير ذلك من المشاريع التنموية الضخمة التي تشمل كافة المجالات في كل أنحاء الوطن والتي يصعب سردها في هذا المقال المختصر، لكن يكفي أن نشير كملمح عنها إلى مؤتمر مستقبل الاستثمار للعام 2018 الذي عقد في أكتوبر الماضي بالعاصمة الحبيبة الرياض بمشاركة عدد كبير من النخب الاقتصادية ورواد الاستثمار البارزين في العالم وبلغت صفقاته أكثر من خمسين مليار دولار للإنفاق على المشروعات الناشئة وجلب التقنية ونشر برامج البحث والتطوير والابتكار.
كما شاركت المملكة ممثلة في سمو ولي العهد - يحفظه الله - في مؤتمر قمة العشرين الكبار لهذا العام 2018 الذي عقد مؤخراً في الأرجنتين، وذلك بصفتها عضوا فاعلا فيه، حيث أبدت كعادتها حضوراً لافتاً وتألقاً دبلوماسياً معهوداً أشاد به المراقبون، بل أن ما يزيد الفخر أن المملكة ستستضيف هذا الحدث العالمي الكبير في دورته ما بعد القادمة للعام 2020 إن شاء الله.
كل هذه المشاريع والعطاءات تبشر بمستقبل مشرق بإذن الله من حيث ازدهار الحياة وتطور الأنظمة وتوفر الوظائف ونشر التقنية والانفتاح على التجارب والخبرات المفيدة وغير ذلك من محفزات النمو والتفوق والإبداع.
وأمام هذا الزخم التنموي المبهج الذي يتحقق بفضل الله على يد خادم الحرمين الشريفين، لابد من الإشارة إلى حقائق أربع جديرة بالاعتبار:
أولها: أن الملك سلمان يحفظه الله وهو يرسم الرؤية الوطنية لتحقيق آمال شباب الوطن وأجياله الواعدة رأى أن خير من يتولى دفة قيادتها القوي الأمين، فأسند الأمر إلى ولي عهده الشاب الملهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي أثبتت الأيام والأحداث والإنجازات أنه أهل لهذه الثقة، وأنه يملك سمات قيادية فذة ومبادرات شجاعة أهلته ليكون واحداً من الشخصيات المؤثرة والبارزة على مستوى العالم.
والحقيقة الثانية: تلك اللحمة القوية بين القيادة السعودية وشعبها الوفي التي تجلت في وقت الشدة وتكسرت على صخورها الصلبة أحلام وحملات الأعداء والحاقدين والأذناب الذين يضمرون الشر لبلادنا ويسعون لزعزعتها وصولاً إلى تدمير الأمة وإضعافها وتفريق كلمتها، ولكن هيهات لهم ذلك في ظل عناية الله وحفظه ثم قوة القيادة والمواقف البطولية لشعبها النبيل والمؤازرة المخلصة من أخوة العروبة والإسلام.
والحقيقة الثالثة: إن المملكة وهي تخوض غمار الحضارة والتنمية على أفضل المستويات وفي كل القطاعات فإنها في الجانب المقابل وفي الوقت ذاته تخوض حرباً شرعيةً وشجاعةً ضد أعداء الأمة والمتحزبين معهم الذين يستهدفون الحدود والاستقرار والمقدسات واستطاعت بفضل الله ثم بطولة قواتها والقوات الحليفة من حماية خاصرتها وصد يد العدوان وإبعاد خطرهم عن المقدسات ومواصلة السعي لاجتثاث فرق المارقين الذين صيروا أنفسهم حطب نار لأعداء الأمة.
الحقيقة الرابعة: إن المملكة قطب عالمي بارز في تحقيق التوازن الاقتصادي، ونشر السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك بشهادة كبار الزعماء والسياسيين والهيئات الأممية بمختلف تخصصاتها.
من هنا حق لنا أن نفخر بوطننا وطن التاريخ والبطولات والإنجازات، وأن نعتز بقيادتنا الرشيدة التي تقف على رصيد متين وعميق من حنكة القيادة والسياسة والحكم ممتد عبر سنوات طويلة، وأن نقف بشموخ على ثرى هذا الوطن العظيم الذي تعانق أمجاده عنان السماء متطلعين إلى مستقبل واعد بالخيرات والمسرات بإذن الله، وسائلين الله تعالى أن يؤيد قيادتنا بالعز والنصر والتمكين وأن يديم علينا نعمة الأمن والرخاء والاستقرار، وكل عام والوطن قيادةً وشعباً بألف خير.
** **
د. علي بن عبدالرحمن العنقري - وكيل وزارة الحرس الوطني