د. جاسر الحربش
قبل أيام نشرت صحيفة ألمانية كبيرة حواراً مع فتاة إثيوبية كانت لتوها عائدة من الولايات المتحدة الأمريكية بعد إقامة طويلة هناك للاستقرار نهائياً في وطنها الأصلي إثيوبيا. قصة تلك الفتاة الإثيوبية تعطي مثالاً ملهماً لما يترتب على ما بعد النجاح في الخارج من واجب الالتزام بحضارة الأوطان الأصلية والمتوجب نحو الأهل والمجتمع.
كانت الطفلة يتيمة الأبوين أودعها خالها بسبب فقره الشديد دار الأيتام في العاصمة أديس أبابا وهي في سن السادسة، آملاً أن تجد مستقبلاً أفضل هناك. اعتنت بها إحدى المعلمات في مدرسة الدار لتوسمها ذكاءً متميزاً في الطفلة. تعلمت في مدرسة الدار القراءة والكتابة ثم تحولت إلى دودة كتب تقضي معظم الوقت حتى نهايات الأسبوع في المكتبة. في سن الثانية عشرة حصلت على بعثة تعليمية عالمية للأطفال النابغين مقرها عاصمة دولة أفريقية مجاورة، وبعد تميزها هناك حصلت على بعثة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية. تفوقت الطفلة في أمريكا وأصبحت خلال سنوات قليلة امرأة شابة ومن أفضل أساتذة اللغة الإنجليزية وآدابها. كان الأسهل لها البقاء في أمريكا، حيث لا أهل لها تعرفهم في إثيوبيا، لكنها ذات يوم قررت العودة إلى بلدها الأصلي وهي في سن الرابعة والعشرين لتواصل حياتها العملية في ديارها الأصلية.
من ضمن الأسئلة التي وجهتها لها الصحيفة الألمانية كان السؤال عن سبب عودتها إلى إثيوبيا وتخليها عن الحياة المستقرة الناجحة في الولايات المتحدة الأمريكية فكان جواب الفتاة الإثيوبية: إنهما سببان، الأول لكي أرد الجميل الشخصي لتلك السيدة التي رعتني في دار الأيتام في مرحلة طفولتي، والآن أريد العمل كمعلمة أيتام في مدرسة الدار أو في عدة مدارس ولدي نية تكوين جمعية حقوقية لتعليم الفتيات والنساء الإثيوبيات عن حقوقهن في الحياة والتعليم والعمل.
السبب الثاني هو أنني فجأة وأنا هناك مرتاحة وسعيدة في أمريكا أدركت كم ابتعدت عن حضارتي ووطني الأصلي وأن أناسي هناك يحتاجونني أكثر من الأمريكيين.
علقت الصحيفة بعد الحوار: أنت النموذج الأصدق والأفضل لتنمية دول العالم الثالث بجهود أبنائها الذاتية.