عبده الأسمري
غلب بفكره حدود الإمكانات فتغلب على امتداد الأهداف.. مكملاً طريقة ومستكملاً مهامه في زمن كانت الاحترافية فيه تركيبة مهارية وعلمية ومهنية، فكان زامر «المايك «ورامز «الشاشة «، فظل ظهوره «محفلا للإشادة «وطلته «احتفالا للاستفادة، «تاركاً اسمه «دوياً « في ذاكرة «الإعلام « وطلته «قيمة « في قبضة التلفزيون.. إنه الإعلامي والمذيع الشهير غالب كامل أحد أبرز ومقدمي البرامج ونشرات الأخبار في السعودية والخليج.
بوجه أليف تغلب عليه الجدية والندية وعينان مشبعتان بنظرات «الحدس « وملامح تميزها طلة زاهية باهية بالأناقة المرتكزة على زي وطني منوع التشكيل، يتكامل مع محيا محفوف بالوقار المرئي والاستقرار الصوتي وشامة أكملته وسامة، وصوت جهوري تتوارد منه اللغة العربية الفصحى والعبارات الحوارية المثلى، وفصاحة ترفل بالاقتدار والاعتبار، أمضى غالب كامل أربعة عقود وجها مثاليا للعمل الإذاعي والتلفزيوني المكلل بعبق المشهد الإعلامي وعمق الاستذكار الوجداني في متن «الأصالة» وخانة «التأصيل «.
رضخ غالب كامل لغلبة «المهنية « وكمال «الأمنية «وهو يراقب شاشات» التلفزة «بالأبيض والأسود في السبعينات مهملا «الصورة» ومستلهما «الصوت «، فنشأ مخطوفا إلى اللحن الإذاعي متوسدا مذياع والده «العتيق « متشربا «لكنة « مطلق الزيادي و»رونق « محمد الصبيحي و»جرأة « يحيى كتوعة، منجذبا إلى إيحاءات المدى اللغوي في «إطلالة «عبد الرحمن الشبيلي الأنيقة و»بحة « سليمان العيسى المتأنقة و»غنة « محمد كامل خطاب المتسقة، فبقي مرابطا على «ثغور « الشاشة حازما حقيبته الممتلئة بذكريات الشام ومذكرات نجد»ثاويا « في أهل مهنته، متوثبا لتجاوز كل حواجز السباق مع الذات فكان مذيعا برتبة «إنسان « وهو يسجل برنامج «سلامات «بين المرضى، وإعلاميا بمرتبة رفيق ملوك وصديق راحلين عندما خطبت وده «الألقاب « وسط منافسة شريفة شفيفة بالإخاء مع رفقاء دربه الساكنين في قلبه المسكونين بمحبته.
تفوَّق كامل على أقرانه في سنوات عمر ركض فيها طفلا نابغا وشابا يافعا مكملاً بتربية أبوة غمرته بالاطمئنان ونصائح أمومة أسبغته بالحنان، فكبر موشحا بحسن الخلق موسما بتفاصيل طفولة وشباب جعلته شفيعا لطموحات ملأت قلبه واستعمرت خاطره فكبرت في مخيلته «هموم الغير «، وعبرت في وجدانه «معاني العون «، فارتكن إلى مناشدة النفس واستشهاد الهمم ليبدأ ماراثون «البطولة « في ميدان «الإذاعة و»بلاتوهات « التلفاز ليكون قاضي الامتثال المهني الذي لا يحيد عن الحقوق والواجبات.
استند كامل إلى لغة عربية نال درجتها الجامعية وأقلع من مدرج «عفويته « متزودا بوقود «المهارة «وجود «الموهبة « ، موجها اتجاهاته الميمونة «قبلة « التلفزيون ليكون الوجه الذي شكل «امضاءة « النبوغ وخطط لملحمة «الاستباق «.
انطلق كامل في عام 1384 من إذاعة جدة، وكان حسه الإذاعي «إحساسا « رجح كفة مهنيته من خلال برامج «ابشر « و»حرف نغم» و»سهرة من منزل» و»لقاء مع فنان «و»الصفر الدولي» وغيرها، ثم انتقل إلى التلفزيون بالرياض عام 1401 وقدم برامج «أين الخطأ «و «من أنا « و»لمن الكاس « و»لقاء على الهواء» و»حروف « وغيرها وكان كبير المذيعين لنشرات الأخبار التي بقت جانبا مشرقا من إطلالته ومشرفاً من طلته.
غالب كامل «غيمة « أمطرت «الاقتدار « في احتفالية بشرية نطقت بالحرفية، بدءاً من إهمال ورقة الإعداد وإمعان الارتجال مرورا باحترام «الضيف « وتقدير «المشاهد « وانتهاء بإدارة الملفات بعبقرية مذهلة وكأنها درس عميق وندوة كبرى مختصرة في ساعة فضائية.. داهمه المرض فعاش بين الأنين والحنين بين الرياض التي عشق ترابها وهضابها وعانق نسيمها وعمان التي كانت قبلته التي يُستقبل نفحاتها بحثاً عن الشفاء من حساسية صدر مزمنة لم تحتمل الغبار.
ظل كامل «ابناً باراً «يوزع مراسم «الاشتياق « لمنصات النشرات وينثر «الإعجاب « بأدق التفاصيل في ملهمته «الشاشة « رغماً عن ويلات «متاعب صدره « التي تغلب عليها بسمو «التفاؤل « وغلبها بعلو «اليقين « فكانت بوصلة المحبين تتبعه أينما حل، حتى أضحى حديثا للقاءات ومنبعا للسؤال، فطغى بياض سريرته على سريره الأبيض وانتصر على كل الأحاديث والتساؤلات معنونا استقباله بابتسامة الكرماء وبسمة النبلاء الذين يتناسون المرض، ويرغمون الظرف على الانحناء أمام إسعاد الآخرين.
يرقد غالب كامل في المستشفى مبتلعاً «غصة « التخاذل كاتماً قصة «الخذلان «بعد أربعين عاماً قضاها بعصامية ومثالية «متفق عليها « وسط نداءات «منطق « ومسلمات «امتنان « واتجاهات «عرفان» تقتضي وتحتم تكريمه وتشريفه وتتويجه.