م. بدر بن ناصر الحمدان
الأستاذ الدكتور زاهي حواس هو عالم آثار مصري، ووزير دولة سابق لشؤون الآثار وأحد أهم الرموز الثقافية على مستوى الوطن العربي، ومن الشخصيات العالمية المؤثرة في دراسة تاريخ الحضارات والبحث فيها، وصاحب الرصيد الكبير من الخبرة والتجربة العلمية والعملية في حقل التراث الإنساني، الحديث عن هذه القامة الكبيرة لن يوفيها حقها من التعريف لكن يكفي أن نقول إنه المصري زاهي حواس، أو كما قال أحد الزملاء الذي رافقه في رحلة عملية يوما من الأيام أن المصريين يعرفون زاهي حواس مثل ما يعرفون الأهرامات.
الذي دفع بي للاهتمام بتناول سيرة هذا «الرجل الاستثنائي» ومتابعته، هو الإشادة المستمرة به من قبل الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في أكثر من لقاء ومحفل، والحديث عن قدرته على قراءة وتناول الأبعاد الظاهرة وغير الظاهرة للتراث الإنساني في المملكة العربية السعودية واهتمامه بإبراز عمقها التاريخي وثقافتها وحضارتها التي امتدت عبر سنوات من الزمن.
ترى ما سر هذا الشغف بين حواس والإرث السعودي، ولما كل هذا الاهتمام بموروثه الثقافي، وهو من يقف على هرم تاريخ مصر القديمة ووادي نهر النيل والفراعنة بكل ما تمتلكه من حضارة ضاربة في أعماق التاريخ، حقيقة لا أعتقد أننا بحاجة لكثير من البحث والتحليل للإجابة على هذا السؤال، فزاهي حواس يمتلك ذلك الشغف للبحث في كنوز الأرض واكتشاف الإنسان الذي استعمرها حقبة من الزمن، في المقابل أن الأراضي السعودية تحتضن أهم حضارات العالم الإنسانية التي صدرت الثقافة منذ القدم الى البشرية في أنحاء المعمورة، هذا الانسجام بين حواس والأرض أظهر تلك العلاقة التبادلية الجديرة بالاهتمام.
في استعراضي لأعمال زاهي حواس وسيرته العلمية والعملية لفت نظري قدرته على أن يكون «مؤثراً في ثقافة الناس» وثقة الشارع المصري في أفكاره وآرائه ومبادئه التي دائماً ما تعبر عن الدفاع عن الهوية والثقافة الوطنية، حيث لم يكتفي بتحصيله العلمي وخبرته العلمية وبقى كامناً داخل أروقة الجامعة أو الوزارة فحسب بل قدم تجربة عملية على أرض الواقع من خلال توظيف ما يمتلكه من مخزون معرفي لصالح مجتمعه، ووضعه تحت تصرف أفراده بمختلف شرائحهم، وقاد مبادرات «منتجة» و»طموحة» لمسها الناس عن قرب واستفادوا منها، لقد بات هناك جيل بأكمله يرى في حواس قدوة في «الحراك المجتمعي» نحو تأصيل الثقافة المحلية، في الواقع هذا النموذج يمثل رسالة «إنسانية مسؤولة» من الدرجة الأولى.
من وجهة نظري أن أهم الدروس المستفادة من مسيرة الدكتور زاهي حواس هي «كيف تكون فاعلاً في مجتمعك»، وبأي طريقة يمكن أن تسخر قدراتك ومقدراتك للمساهمة في تحفيزه لفهم ومعرفة ثقافة أرضه التي يعيش عليها، وتمكينه من المشاركة في بناء هويته واستعادة مكوناته الحضارية.
لا يكفي أن تكون عالماً أو أستاذاً أو خبيراً دون أن تكون «مؤثراً»، فعربة التاريخ لن تحمل في ذاكرتها سوى أولئك الذين مروا وتركوا أثراً في حياة الناس.