د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يصادف يوم الاثنين 3 ربيع الآخر 1440 الذكرى الرابعة لبيعة الملك سلمان - حفظه الله - لتولي مقاليد الحكم في البلاد، يسانده عضده الأيمن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ولعل من اللافت أن هذه الذكرى هي تجديد للبيعة، وخصوصًا أنها أتت بعد أزمة مقتل خاشقجي التي استثمرتها أطراف، كانت تخوض السعودية معهم مواجهة لوقف دورهم التخريبي في المنطقة، لكنها جعلت الشعب يصطف خلف قادته؛ وهو ما يقدم للعالم مثالاً يحتذى في التلاحم بين القادة وشعوبهم، ومبادلة الحب بالوفاء، والوقوف خلف الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية 2030، وخصوصًا أن شعب المملكة يشعر بأن الاستهداف لم يكن لشخص الأمير محمد بن سلمان بقدر أنه كان استهدافًا لدور السعودية النشط.
هناك ضجيج وضخ إعلامي، صاحبه تهويل احتجاجات شعبية، لكن الدول لا تتحاكم إلى الإعلام، بينما تتحاكم إلى المؤسسات.. ومع ذلك استطاعت السياسة السعودية الخارجية امتصاص هذا الضجيج، وخصوصًا أن جولة الأمير محمد بن سلمان لشمال إفريقيا أفشلت هذه المراهنات بسبب أن السعودية تمسك بملفات إقليمية ودولية عديدة، والجميع يحتاج إليها أكثر من احتياج السعودية لهم، وأثبتت هذه الزيارات الخاطفة أن المنافع الإقليمية للدول لم تتغير.
لم يدرك الإعلام المسيس أن السعودية نجحت في تحويل مقتل خاشقجي إلى مسار جنائي قضائي، وأن السعودية ماضية في توطيد علاقاتها في إطار التواصل العربي، وتقود البيت العربي الذي يصب في تحقيق رؤية 2030 بسبب أن السعودية دولة محورية في الوطن العربي الكبير.
تتذكر الجزائر الذي زارها الأمير محمد بن سلمان أن علاقتها وثيقة بالسعودية منذ أن دعمت السعودية الجزائر في ثورتها، بل رفعت السعودية اسم شعار الجزائر في حج عام 1957، وجمع الملك سلمان التبرعات للشعب الجزائري في ذلك العام عندما كان أميرًا للرياض، وأيضًا عندما عانت الجزائر من الإرهاب عام 1993 استنجدت بالسعودية وبعلمائها، وعلى رأسهم الإمام عبد العزيز بن باز، وغيرهم من العلماء؛ وذلك لإقناع الإرهابيين بالنزول من الجبال، والعفو عنهم عندما يتخلوا عن ممارسة الإرهاب، وكان للسعودية دور مباشر في تحقيق هذا الصلح الذي حفظ الدماء. ولم تلجأ الجزائر إلى قم؛ لأنها تدرك أن قم تصدر السلاح والإرهاب.
وكيف أن العالم تابع حضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قمة العشرين، وكيف أنه كان له حضور لافت عندما تهافت عليه زعماء العالم والصحفيون لمقابلته، والاستماع إلى تصريحاته وحواراته، بل طلبت رئيسة وزراء بريطانيا مقابلة الأمير محمد بن سلمان، ونظر أردوغان إلى المصافحة الحارة بين الأمير محمد بن سلمان وبوتين كمدًا، ونظر المغشي عليه من الموت.
رغم أن هناك حجمًا كبيرًا من التنسيق بين السعودية وتركيا في عدد من الملفات، ورغم ذلك اتجهت تركيا نحو إبقاء ملف خاشقجي ساخنًا، وشككت في القضاء السعودي، وطالبت بتسليم أشخاص، فقط من أجل الحصول على تنازلات من السعودية حول المحور القطري التركي الإخواني الذي آلت السعودية إلى تفكيكه، الذي يمر عبره المشروع العثماني الأردوغاني، وهو الحلم الوحيد المتبقي لأردوغان الذي تسبب في انهيار الاقتصاد التركي، وبشكل خاص الليرة التركية.
لذلك لجأت تركيا إلى الاعتماد على تسريبات الاستخبارات الأمريكية المتعاونة مع الواشنطن بوست والنيويورك تايمز اللتين لهما أجندات خاصة، لكن على الجميع أن يدرك أن هناك جهات ثلاث في الولايات المتحدة، هي البيت الأبيض والكونغرس والاستخبارات، لكن البيت الأبيض هو الجهة التنفيذية الوحيدة المسؤولة، ويمتلك الرئيس الفيتو على أي قرار صادر من الكونغرس الذي لا يصنع السياسة الخارجية.
السعودية بلد استراتيجي قوي، وعلى أردوغان ألا يواصل اللعب بالنار، وألا يقرأ الحلم السعودية بصورة مغايرة، وخصوصًا أن لدى تركيا أزمات كثيرة، تحف بها، يمكن اللعب بها، منها إبادة الأرمن، وسجن أوجلان، وورقة الأكراد، وملف سجن الصحفيين والموالين لغولن بعد الانقلاب على أردوغان، وورقة انهيار الليرة التركية، والاقتصاد التركي.
لكن حتى الآن الحلم السعودي يرفض اللعب بهذه الأوراق، وما زالت السعودية تعول على الحكمة التركية بأن تتوقف عن الاستمرار في حلب الأزمة؛ لأن تركيا تدرك أن السعودية قوة اقتصادية عظمى، وخصوصًا بعدما أثبتت قمة العشرين أهميتها التي تقاطرت لها جميع دول العالم.
تبقى السعودية متماسكة وهي تجدد بيعتها للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والشعب في تلاحمه ووفائه المتبادل يقدم نموذجًا للعالم بأن الأزمات التي تمرّ على الدول تزيد الدول تماسكًا والتفافًا بين الشعب وقادته.