عماد المديفر
كررت تركيا مؤخراً رفضها للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على نظام عمائم الشر والإرهاب في إيران جراء استمرار الأخير القيام بأنشطة خطيرة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بالخصوص، واستمرار دعمها للميليشيات الإرهابية حول العالم. العقوبات الأمريكية تستهدف محاولة السيطرة على السلوك الإيراني، والضغط عليه لتصحيح مسار سلوكه وليتوقف عن دعم الإرهاب، ونشره للفوضى والخراب، وتهديد أمن المنطقة، ولدفعه لينصرف نحو الاهتمام بتحسين الظروف المعيشية والتنموية في الداخل الإيراني.. تركيا من جهتها لم تبدِ فقط رفضها للعقوبات، بل أبدت استهجانها، وأعلنت عن النظام الإيراني كحليف مهم، وردد مسؤولوها بوضوح: «أمن النظام الإيراني من أمن النظام التركي» وأن تركيا عازمة على عدم التقيد بالعقوبات، وحجتها في ذلك أن العقوبات تتسبب بعزلة النظام الإيراني، وأن هذه العزلة ليست في صالح «أمن المنطقة»! وأن العقوبات تستهدف الشعب الإيراني الذي سيكون هو المتضرر الرئيس! في حين أن العقوبات الأمريكية في حقيقتها جاءت بالأساس لإنقاذ الشعب الإيراني من براثن الظلم الذي لحقه من النظام القمعي الظلامي الذي أنفق وينفق الأموال المهولة في دعم الإرهاب عوضاً عن إنفاقها في تنمية الداخل الإيراني..
وبصرف النظر عن التصريحات التركية المنافقة التي تدعي حرصها على أمن وسلامة الإقليم، والتي تقابلنا بوجه، وتعمل من ورائنا بوجه آخر؛ إلا أن هذا الموقف التركي المنحاز لنظام عمائم الإرهاب في طهران كونه يعمل على إضعاف فاعلية العقوبات وأثرها على نظام الملالي، هو في الواقع ليس بغريب عنها؛ إذ يأتي منسجماً تماماً مع السياسات التركية في المنطقة منذ وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا. هذه السياسات التي بدأت إرهاصاتها بالوضوح عام 2010م في مجلس الأمن حينما عارضت تركيا (الممثلة في مجلس الأمن بتلك الدورة) القرار 1929 القاضي بفرض عقوبات ضد إيران للحيلولة دون حصولها على تكنلوجيا نووية متقدمة والأموال اللازمة لبرنامجها المحظور لتخصيب اليوارنيوم، ولحسن الحظ أن القرار جرى تمريره واعتماده بموافقة 12 عضواً رغم معارضة تركيا، وامتناع لبنان عن التصويت. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تركيا تورطت فعلياً بعد ذلك بمساعدة النظام الإيراني بالتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن، ورفده بمئات الملايين من الدولارات -المغسولة- التي وجهت فيها أصابع الاتهام إلى بنوك وشخصيات تركية مرموقة ومقربة من الرئيس التركي نفسه، كما هو الحال مع وزير الاقتصاد التركي السابق محمد ظفر شاغليان، والمدير العام السابق للبنك المركزي التركي سليمان أصلان، بالإضافة إلى تاجر الذهب التركي «رضا ضراب»، و»هاكان عطيلة» المصرفي التركي الكبير.. وجميع هؤلاء الأشخاص على مقربة مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. ذلك عدا عن تورط تركيا في شراء مكثفات إلكترونية إسرائيلية متقدمة من نوع CAP 180-300 يمكنها المساهمة في إنتاج الأسلحة النووية - وهي من المواد المحظورة دولياً بموجب قانون مجلس الأمن 2231 لعام 2015- وتمريرها إلى نظام الملالي.
ولم تقف سياسات تركيا في المنطقة عند هذا الحد، فقد عملت -وما تزال تعمل- على إنشاء وتعزيز تواجد عسكري مريب الغايات، من خلال ثلاث قواعد تركية في المنطقة، مشكلة مثلثاً إستراتيجياً متقدماً في عمق المنطقة، واحدة في قطر، وأخرى في الصومال، وثالثة في جزيرة سواكن السودانية التي أصبحت تحت الإدارة التركية الكاملة إلى أجل غير مسمى، وفق ما جاء في تصريحات رسمية تركية، قيل إنها تصل إلى 100 عام وفق اتفاقية وقعت بين البلدين وتضمنت ملحقاً سرياً لم يفصح عنه.
هذا عدا عن التحركات التركية في تشاد، وليبيا، ومن ذلك ما صرحت به اليونان أنها ضبطت سفينة محملة بمواد تستخدم لصناعة المتفجرات قرب جزيرة «كريت» كانت متوجهة من ميناءي مرسين والاسكندرونة التركيين إلى مدينة «مصراتة» الليبية لتفريغ حمولتها هناك بحسب اعتراف طاقمها.
اليوم؛ يواصل النظام التركي سياساته وتصرفاته المثيرة للريبة، التي يعتبرها العديد من المحللين تنم عن أطماع توسعية، وتستهدف بالخصوص مصالح دول الرباعية العربية (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) بالإضافة إلى احتلاله لأجزاء من الجمهورية العربية السورية وتوغله العسكري فيها، واستشهد هؤلاء المحللون بأسلوب التعاطي الرسمي التركي تجاه موضوع «جمال خاشقجي» وتجاه الشقيقة مصر، والموقف الذي بدأ بالتكشف تجاه الأوضاع في اليمن. ورغم ذلك كله، يسعى النظام التركي للحفاظ على مكاسبه الاقتصادية، وأن لا تتأثر استثماراته واتفاقياته التجارية والاقتصادية مع دول الرباعية العربية بالخصوص.. والسؤال الآن.. هل ستستمر مكافأة تركيا على سياساتها التي تمس بشكل أو بآخر المصالح العليا للعديد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وبالأخص الدول العربية الأربع المتحالفة ضد داعمي الإرهاب (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين)؟!
إلى اللقاء.