نجيب الخنيزي
تزامن انعقاد قمة العشرين الأخيرة المنعقدة في الأرجنتين، مع مرور 10 سنوات على اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفجرت في البداية في الولايات المتحدة على شكل أزمة الرهن العقاري، وسرعان ما شملت القطاع المالي/ المصرفي، كما شملت القطاع الاقتصادي (الإنتاجي) الحقيقي.
نستعيد هنا ما ذكره المفكر الأميركي نعوم تشومسكي.. في كتابه «إعاقة الديمقراطية» «الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينات من القرن العشرين الماضي وضعت حداً لأي اعتقاد كان قد علق في الأذهان بأن الرأسمالية هي نظام قابل للحياة وصار من المسلم به على العموم أن تدخل الدولة أمر ضروري للحفاظ على القوة الخاصة كما كان الحال فعلاً في عملية التطوير».
كما من المفهوم كذلك أن إجراءات البرنامج الجديد (وهي سياسة روزفلت) قد فشلت، وأن الأزمة الاقتصادية المشار إليها لم يتم التغلب عليها إلا بتدخل من الدولة في الحرب، وهو تدخل أوسع بكثير من السابق. وجرى تعليم هذا الدرس لمديري الشركات مباشرة من دون اللجوء إلى نظريات (كينز) فكانوا يهرعون إلى واشنطن لإدارة اقتصاد الحرب بقيادة شبه مستبدة، وتوقع الناس حدوث أزمة اقتصادية أخرى بعد إشباع الطلب المكبوت لدى المستهلك إلا إذا تدخلت الدولة.
لا يبدو في الأفق المنظور على الأقل أي مخرج من الأزمة المستفحلة التي بدأت مؤشراتها الأولية منذ سنوات ما قبل انفجار الأزمة الأخيرة في داخل الولايات المتحدة ومجمل الاقتصادات الرأسمالية المتطورة، حيث تفاقمت في ظل أزمة الرهن العقاري الأميركي وتداعيات الإعلان عن إفلاس بنك (ليمان براذرز) رابع أكبر البنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة، والتي طالت مجمل الاقتصادات والأسواق والبورصات المالية في الدول الصناعية الكبرى والاقتصادات الناشئة (الصين، الهند، البرازيل، وروسيا)، كما شملت البلدان النامية بما فيها الأسواق والبورصات العربية والخليجية على حد سواء، التي شهدت حالة من الهلع والذعر والبيع المحموم للأسهم وسط وصول الأسعار إلى أدنى مستوياتها على مدى سنوات، وذلك رغم إقرار الكونغرس الأميركي لمشروع خطة الإنقاذ التي تكلفت 700 مليار دولار التي طرحها وزير الخزانة الأميركي. وهكذا جرى تحميل دافعي الضرائب الأمريكيين أوزار «الليبرالية الجديدة» من خلال ضخ مئات المليارات من البنك الفيدرالي الأمريكي في المصارف والبنوك والشركات المفلسة أو المتعثرة.
لم تتوقف موجة الهبوط المتواصلة التي طالت جميع أسواق المال العالمية وسجلت البورصات العالمية خسائر فادحة عقب عمليات بيع كبيرة قام بها المستثمرون الذين تملكهم الذعر خشية ألا تتمكن خطة الإنقاذ الأميركية من وضع حد لأزمة الائتمان التي تتسبب في شلل متزايد في الأسواق.
فقد تراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي في بورصة «وول ستريت» في بداية التعاملات التي أعقبت إقرار الخطة إلى أقل من عشرة آلاف نقطة لأول مرة منذ أربع سنوات، كما هبط مؤشر «ستاندارد آند بورز» إلى أقل مستوى له منذ أربع سنوات أيضاً في ظل المخاوف من تداعيات الخطط الأوروبية لإنقاذ البنوك والانخفاض الحاد في أسعار السلع.
وجرى تعليق التداول في بورصات روسيا والبرازيل مؤقتا بسبب التراجع الكبير في أسعار الأسهم، وانخفضت أسعار أسهم بنوك غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وبنك أوف أميركا بأكثر من 6.3%. وفقد مؤشر ستاندارد آند بورز الأوسع نطاقًا نسبة 6%.
أزمة 2008 لا تزال تداعياتها ماثلة بقوة حتى الآن، والتي تتمثل في الانهيارات والانخفاضات الحادة في بورصات الأسهم، وتذبذب وانخفاض العملات الرئيسة، وتفاقم مظاهر الركود والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار، في البلدان الرأسمالية المتطورة ودول الأطراف على حد سواء، والتي تنذر بتفجر الصراعات الاجتماعية نذكر من بينها فرنسا وإسبانيا واليونان على سبيل المثال، كما نقف عند ظاهرة صعود الخطاب الشعبوي اليميني في الغرب الذي استغل موضوع اللاجئين والهجرة الأجنبية.
التساؤلات التي تطرح نفسها هنا: في ظل الأزمة البنيوية العميقة للرأسمالية، هل بات العالم مقبلاً على انهيار وسقوط نهائي لنمط الإنتاج الرأسمالي، و بالتالي سيكون مصيره كمصير الاشتراكية السوفيتية، أو بشكل أدق كمصير رأسمالية الدولة البيروقراطية، أم أن الرأسمالية ستستطيع تجاوز أزمتها بفضل ما تتمتع به من حيوية ومرونة وقدرة على التكيف؟
في جميع الحالات فإن الحياة أكدت سقوط مبدأ الحرية المطلقة للأسواق، وعلى محورية الدولة ودورها الموازن ووظيفتها الاقتصادية/ الاجتماعية.
نختم هنا بما بما جاء في كتاب «الإمبراطورية - العولمة الجديدة» للمفكرين مايكل هاردت وانطونيو تيغري «ذلك الوهم المنتشر على نطاق واسع والذي يقول إن السوق الرأسمالية ونظام الإنتاج الرأسمالي أبديان، يستحيل التغلب عليهما وتجاوزهما. تشكل الفطرية الشاذة للنظام الرأسمالي لغزًا خالصًا يثير الارتباك والحيرة، ولا بد لنا أن نحرر أنفسنا من وهمه الزائف على الفور».