د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تجلَّتْ بوتقة رقمية حيَّة أورقتْ محطاتُها وتسامتْ أهدافها في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في مساء الثلاثاء الماضي السادس والعشرين من شهر ربيع الأول، فالمنتجات الرقمية اكتست بها الجدران والممرات ازدانتْ بوميض الحوار المنشود؛ فاصطفت ْصورًا ناطقة ليتشكل من خلالها مفهوم الحوار العصري والمنهج الجديد للتعامل مع فلسفة ذلك المفهوم؛ فكانت طاقات ولبنات تأسيس ووجهات نظر ورحلة حوارية وقضايا يفتقها الحوار، وعهود بذل ومواثيق ولاء.
واللافتُ أن كل تلك المعاني الغزيرة صيغتْ في قوالب رشيقة أنيقة؛ فكانت ليلة احتفاء بالمنتج الذي تم تأطيره في مسيرة الحوار الوطني، حتى كانت تلك المنصات التفاعلية للحوار الوطني السعودي إعلانًا وختم توقيع على التوجه لأهداف الحوار في ثوبها الجديد في عمليات تجانس لتعميق المشتركات الوطنية؛ وتأصيل ثقافة التعايش والتنوع؛ وأن التنوع منصة قوة وسبيل وصول حضاري لصناعة ثقيلة لازمة، وهي الوحدة الوطنية التي هي صلب العملية التنموية. فالمعرض التفاعلي صورة هادئة ولكنها جلية! وأحسب المعرض إستراتيجية جديدة تنأى عن الاختلاف والحوارات الساخنة المباشرة، وهكذا تورد الإبل!!
وفي هذا العهد يتبنى مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني صناعة جديدة هي استقراء الرأي العام المجتمعي حول شئونه، فكانت أدوات مكينة متمكنة لدعم التوجه الجديد الذي بدا واقعه ذا نكهة خاصة ترويها أساليب متعددة وإستراتيجيات عميقة, لتحقيق القيم الفكرية والاجتماعية التي تعزز منهج التسامح, والعدالة, واستنهاض المجتمعات للقيام بمسئولياتها بما يسهم في تعزيز الاعتدال, ونشر الحصانة ضد العنصرية والكراهية؛ كما يحقق بناء جسور متينة من التواصل والحوار والتعايش الودود المنتج...
والإنجاز الذي قام به مركز الملك عبد العزيز في المعرض هو تعريف غزير في محمولاته لإنجاز البناء الاجتماعي المراد إعداده، ليستقبل المستقبل من خلال أبناء خلصاء، وأن يكون منصة فكر واعٍ وانفتاح على جميع نوافذ الوطن وبواباته لتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة لتوليد منظومة حب كبيرة لا تقتصر على حب المكان بل حب الناس الذين يعيشون على أرضه, وتقدير عقوله التي تفكر من أجله, وسواعده التي تبنيه من خلال فكر واعٍ يعالج بفاعلية ودودة انحسار واقع التكيف الاجتماعي قصدًا أو من وراء جُدُر. ولقد بدتْ ردهات المعرض ذهبية براقة ولكن يبقى اقتناء الفكرة صناعة تتلمس كثيرًا من المنشطات لترتاد الوجهة الصحيحة، ويبقى المفهوم الأسمى أن إستراتيجية الحوار يجب أن تستنبت اليقين والوعي عند الناس بأن الحوار رديفٌ للاستقرار والحضارة والأمن؛ ومن ثم القوة والهيبة والتمكين, ولابد لتحقيقه من تطوير أدوات التعامل وترقية مستويات التشارك مع جهاز التعليم والإعلام والثقافة والتنمية الاجتماعية، كما أنه من ممكنات الحوار الراقي تأسيس منصّات للفن والجمال ودعم صناعتهما من خلال الحوار البناء أيضًا.
والحوار النامي الممنهج السلس أصبح في رهن أوقاتنا الحالية مطلبًا لتسيير الحياة وأفلاكها وتوليد الفكر الحي الناضج في كل فضاءاتنا.
بوح تفاعلي.
رصد الظواهر الاجتماعية المؤثرة في مسيرة النهوض التنموي من الأولويات.. فنأمل أن نلقاها في المستراد التفاعلي لمركز الحوار الوطني أيضًا.