د. صالح بن سعد اللحيدان
هنا أبحث مع القراء الأعزاء الذين يلومونني أويلومني بعضهم عدم الإطالة وذلك في تناول القضايا في هذا المعجم الذي هو منهم وإليهم لكن إنما أطرح ما يؤدي إلى الغرض مع فارق المفروض على كل حال هذا ما يجعلني في المندوحة من لوم اللائمين ألا أطيل القول كما لم أطيل القول في كتابي (حال المتهم في مجلس القضاء).. أو (تأصيل البحوث العلمية) فهذه وتيرتي على حال لعلي جبلت عليها ولعله من باب القدر ونعم القدر المقدر من علام الغيوب.. فما هو القدر أصلاً على هذا السبيل على صفة النقل والعقل في سبيل ناهيك أنه مديم:
1 - القدر بفتح القاف والدال أصله ثلاثي (قدر) بتشديد الدال يراد بهذا جعل ووازن.
2 - القدر الشيء الحاصل.
3 - القدر المكتوب سلفاً ولا حيلة في تغييرة.
4 - القدر مالم يترتب عليه جزاء في الآخرة.
5 - القدر الأمر الجبلي.
6 - القدر الخلق على صفة هي هي.
7 - القدر التقدير والجعل.
8 - القدر وزن الأمور الخلقية قبل خلقها بعدل مستقيم.
9 - القدر إذا جاءت هذه الكلمة بإسكان الدال يراد بذلك (القيمة).
10 - القدر سر الخلق الأول.
11 - ويقدر يزن من باب التخمين، وهذا بحق الإنسان.
12 - ويقدر بإسكان القاف وكسر الدال يقوى على الشيء ويستطيعه.
13 - وقادر قوي.
14 - وقدار اسم على علم
15 - وقدير مستطيع
16 - وتقدر تقوى على الشيء على سبيل السؤال.
17 - وقدر وتقدره زنه وتزنه.
18 - ويقدرون بكسر الدال وبضمها يختلف المعنى فتنبه لهذا حسب السياق.
قلت وفي هذا كفاية وإنما أردت بحث القدر على شاكلة الاختصار دليلاً وتعليلاً وهنا آتي على شيء من هذا الباب
فأقول القدر هو ما قدره الله -جلّ وعلا- على الخلق قبل أن يخلقهم وهو سار على الخليقة.
فما قدره الله سبحانه وتعالى هو كائن لا محاله لا ينفع في هذا حيلة ولا تغيير ولا تبديل وإذا كان هذا كذلك فإن الله تباركت أسماؤه لا يحاسب عليه ولا يؤاخذ عباده لأنه مقدر وكائن من قبل أن يكون مخلوقاً فكون العبد ولد أعرج أو أعمى أو أنه ولد وفيه خبل أو عي أو أنه ولد قصيراً أو أسود أو أبيض أو ولد في ناحية من نواحي الأرض، فهذا هو القدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}؛ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.. فلا حساب هنا على هذا.
وهذا إذا فهم ووعاه الإنسان وتشربه زاد يقينه ورأى الكون من خلال العقل الحر المكين وهذا يحتاج إلى سعة عقل وقوة تدبروشفافية غير مدخولة.. وإذا كان هذا هو القدر فلا يحسن الخلط بينه وبين القضاء فتنبه أن يكون لديك خلط أو قصور فهم نحو هذا ذلك إن القضاء يختلف تماماً عن القدر، كما هو الفارق بين السماء والأرض لأن القضاء هو ما فيه اختيار للإنسان إن أراد فعله وإن أراد تركه فالإنسان وعموم البشر كلٌّ له نية وطاقة وقدرة وهذه الثلاث هي موجبات العمل كما أنها موجبات القول وهذا هو ما يترتب عليه الجزاء في الأخرى إلا المضطر فإنه يستجاب له في الدنيا كمن يدعو على من ظلمه في عرض أو وشاية أوبهتان وهو لا يقدر على رد ذلك أو أنه حاول ولكنه لم يستطع نيل حقه، فهنا فالله من باب العدل المطلق بين الخلق يأخذ المعتدي لكن بصور مختلفة من أجل قيام الحجة فإذا تمادى المعتدي فإن أولى درجات العقبة إشغال المعتدي بنفسه وولده وسلط عليه الطموح وقوة الأمل وطولة وشدة التعلق بالحياة وهذا معلوم من الحالات بالضرورة وتأمل هذا وإن كان الإنسان تفوته بعض الأشياء لضعف إدراكه مثلاً،
ومثال نضربه قد يغني عن كل مثال دع عنك الحسد والعقوق والإلحاد (الصيام) فالإنسان يقدر عليه فيستطيع أن يقوم به.
ويستطيع أن لا يصوم وعنده نيه وطاقة وقدرة ومثال ذلك (العدل), (الصدق)، (الأمانة).. فهو هنا يستطيع أن يقوم بهذا ويستطيع أن لا يقوم بهذا.. هذا هو القضاء وليس هو القدر، وعلى هذا الأساس قام العدل بين الخلق فالضعيف فتنة للقوي.
والأب الكبير الضعيف فتنة للابن والبنت، والفقير فتنة للتاجر.. وقس على هذا وكن منه على بينة، ذلك أن النفس قد تحتال وتخلط الأوراق وتأتي بالشبه لتغطي على العقل رؤيته والعقل هو محط الوحي ومناط الحكم.