لم تتعلق المسألة يومًا بعدد الكتب المقروءة، ولا حتى بنوعيتها، رغم أن النوع قد يؤثر بطريقةٍ ما في عمق القارئ ومدى قدرته على تشرب قراءاته، والتقاط المعنى الغائر في سرادب النص وسردية الكاتب من خلال الربط والتحليل والتفسير والاستنتاج. هذا على الرغم من يقيني بأن للكاتب العبقري دورًا مهمًّا وجليًّا في هذا أيضًا، إذ يمكنه أن يقول الكثير من الأشياء التي لا يلحظها قارئ متمرس عميق وخبير وعلى درجة عالية من الفطنة والثقافة.
خلال نصف عقد من الكتابة في مجال «الرواية» كانت أكثر ثلاث أسئلة مُستفزة واجهتني هي: «هل تتحدث هذه الرواية عنك أو عن حياتك؟ لماذا جعلت النهاية مفتوحة؟ ولماذا تصرف البطل في هذا الموقف بكذا وكذا..؟».
وإنني حين أقول مستفزة فذلك لأن القارئ في السؤال الأول يتخطى الفرضية إلى الواقع، ويتحذلق على الشخصية التخيلية باستنتاج خاطئ يدمجها مع حقيقة «صانعها» الذي شاء تكوينًا معينًا في هذا «العالم المُختلق» يناسب فكرته ورغبته في طرحها للنقاش والجدل. أما أصحاب (النهايات) فإنهم لم يعرفوا حتى الآن أن الأعراض عن كتابة النهاية هو أيضًا موقف يتخذه الكاتب ليقول أشياءً ما كانت النهايات الساذجة والمتوقعة قادرة على الإحاطة بها أو تبريرها. بينما يستفزني الذين يتحدثون عن تصرفات البطل وينسون تراكمات الأحداث التي ساهمت في تكوين ذهنيته مما يحتم عليه أن يتصرف بهذا الشكل إذا كانت شخصيته نمطية وقابلة للتحليل واتخاذ المتوقع. فهذا السؤال يوحي بأن «المواقف-الحوارات-الحبكة» التي واجهت قارئًا لم تكن كافية لتفسير سلوك البطل في ذهنه، وهذا يدل على أحد الأمرين: الأول أن القارئ ليس عميقًا بما يكفي، والثاني أن الكاتب لم يجد استخدام أدواته.
وعلى كل حال لا بد أن يبتعد القارئ الأدبي عن نمط القراءة السريعة، كتلك التي نفعلها حين نقرأ كتابًا يزودنا بمعلومات رياضية أو غرائبية، إذ لا بد أن يتعايش مع النص وكأنه عالمه لا كأنه مجرد قطعة فنية يقرأها وينتهي منها إلى الأبد، فهذه هي الاحتمالية الوحيدة التي ستجعله يعود بالمعنى المفقود في غياهب النص.
** **
- عادل الدوسري