الثقافة: هي مصطلح للدلالة على (ناتج التجربة الإنسانية للمجتمع والفرد تاريخياً وجغرافياً)، وهي بهذا المعنى (تفاعل معرفي بين الفرد والمجتمع من جهة، وتفاعل الفرد والمجتمع مع الأفراد والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية).. وكي تكون الثقافة «إيجابية ناجزة»؛ أي تؤدي إلى تطور معرفي يساير الحاجات الاجتماعية المرحلية والمستقبلية؛ لا بدّ أن تخضع العملية الثقافية لمؤسسات.
العمل الثقافي المؤسساتي يفتح الأبواب على مصاريعها للاجتهادات المختلفة، وفي نفس الوقت لا يسمح لاجتهاد واحد أن يتسيَّد الاجتهادات الأخرى، ثم يخرج بمحصلة تلبي عملية التنمية المعرفية بكل أبعادها. أما إذا كان العمل المعرفي غير مأسس؛ فسيقود بالضرورة إلى «التطرف».
ما هو التطرف الثقافي؟ وإلام يؤدي؟ ... «التطرف الثقافي» هو أن يدعي أحد المثقفين أنه على صواب؛ والآخرين على خطأ. ومثل هذا المثقف؛ مهما كان عبقريا؛ ليس من مصلحته مأسسة العمل الثقافي! لأنه بذلك سيفقد «الحق» في فرض رؤيته على الآخرين. ولكن «الحق» ليس شأناً معرفياً وحسب، إنما هو قانوني وتشريعي بالدرجة الأولى، ومعناه المباشر استلاب حق الآخرين.
التطرف الثقافي ليس ثابتاً! لأنه يبتدئ بالاستحواذ، ثم تتكون آليات اجتماعية لحماية هذا الاستحواذ وأخرى مضادة له، ثم يتحول إلى مرتع لإعاقة التنمية في عناصر العملية الثقافية، المتمثلة في (المناهج التربوية والتعليمية والإعلامية والتأهيلية)، ثم يتحول إلى الحد الأقصى - ألا وهو التكفير، الذي يعطل تأهيل الكوادر للحاق بالركب العالمي.
الاستحواذ المعرفي لا يمكنه أن يكون غاية لأي مجتمع كان، ولكنه غاية ووسيلة لحماية الهيمنة الاستعمارية على مقدرات الشعوب. فالعملية الثقافية العالمية تسير منذ بداية الألفية الثالثة؛ أو ربما قبل ذلك؛ إلى (عولمة التطرف!)... كيف ذلك؟
أنت تستطيع أن تردد كالببغاء الأساطير التي يروجها الغرب الاستعماري مثل (الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية الجديدة والمحافظين الجدد والمجتمع الدولي والحرية ...إلخ) وإن طالبت بتعريف لأي أسطورة من الأساطير المزيفة المذكورة وغيرها، فأنت معادي للسامية، أي كافر بالمفهوم الغربي. وإذا رفضت عمليات غسيل المخ والتجهيل والخنوع والخيانة... إلخ، فتوجد عدة أساليب لإرشادك إلى (الطريق القويم): تبتدئ بالترغيب ثم الترهيب..
** **
- د. عادل العلي