كتبت إليه بعد أن سكبها الحنين للمرة الألف عند بابه:
«الصباح الذي كان يقودني إليك ما عاد يفعل!
أصبحنا نتنفس الصبح على ضفتين مختلفتين.
قلبي الممتلئ بالتفاصيل يرهقني من مولد الصبح حتى آخر مواعيد اللقاء.
المؤلم أنني رغم السنوات التي كانت كفيلة بتنحيتي عن عالمك ما زلت أحبك التفاصيل كأنها ما غابت قط!
ذاكرتي تثرثر كثيرًا..
بك..
عنك..
وحولك..
كلّ الطرق ما زالت تؤدي إليك وتقف بي عند بابك!
أنثى بالية الرّوح, يتصدق عليها المارة عبارات الثناء بسخاء, فلا تبتهج لها -حتى وإن هشت بها على حزنها-!
عباراتك البخيلة كانت ألذ وأشهى!.
كانت تخرج من قلبك!
هذا ما أعيه, وأصدقه!
لا أدري بعد كلّ هذه السنوات كم أنثى عبرتك!
وأيهن بسطوعها أزالت عرشي!
لا أثق في شيء..
ولا أريد أن أثق إلا في أنّك ما زلت مسكونًا بي, كما أنا مسكونة بك!»
لم يرد!
قلقتْ عليه كعادتها.
كان احتمال أن يكون بخير عندما لا يرد على رسائلها, هو أبعد احتمال تضعه من فرط محبتها له.
أردفت برسالة أخرى؛ لتتأكد أنّه بخير, حتى وإن جاء مضمونها لا يوحي بذلك وعنونتها بـ (غيمة عابرة)
«كغيمة عابرة ألقت بها الريح؛ لتبللني وتمضي.
استشعرتُ معها كيف يمكن للحياة أن تكون سخيّة لبعض الوقت.
جئت تنضح من الذاكرة.
كحزن مُعتّق وعميق.
كهواء محبوس، ظل محتفظًا ببقايا عطر.
من بعدك، صار للآحزان رئتان تتنفس بهما.
لا أتذكر أيّنا استأصل الآخر من حياته.
لكنني أتذكر أنني سهلت عليك فرصة أن تبدأ مع امرأة جديدة، أغار منها من الآن حتى من غير أن أعرف من تكون!
سأحملك دائما في مخيلتي، رغم الركام الذي في داخلي.
ذاكرة مُخضّرة بك لامرأة صارت بعد الجراح أكثر ثقة.
أكثر عمقًا من بقيّة النساء.
حصنها منيع.
لا تسمح للكثيرين بعبور حدودها!»
رد على رسالتها برسالة من سطرين قصيرين:
لا أريد أن أرى رسالة منك بعد اليوم!
أعيش مع الأصدق, فلا تفسدي عليّ.
أرسلها وهو يبتسم لانتصاراته عليها!
كان يعرف كيف يوصلها حدّ الجنون في كلّ مرة ترسل له.
يعلم أنّها بعد هذه الرسائل المستفزة, ستمكث أياما بلياليها عند بابه؛ لتطفئ حرائق قلبها.
هذا هو الضمان الوحيد حتى لا تبرحه طيلة حياتها.
** **
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي