أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
البعوضة تلكم الحشرة الصغيرة والحقيرة لكن المؤذية فعلاً, فكم واحد منا فقد نومه بسببها وكم واحد عكرت صفو حياته وأمرضته، وكم واحد أزعجته بطنينها وبلدغها. وهذا التشبيه هنا لقناة الجزيرة الخبيثة فهي كالبعوضة الشريرة, والتشبيه من حيث أن قناة الجزيرة الخبيثة صغيرة حقيرة في وسطها الإعلامي والاجتماعي ولكنها مزعجة كالبعوضة, وهي كبلدها الأم قطر فإما التصالح مع قطر بلا شرط، بل وبشروط قطر نفسها ونخضع لإعلامها المومسي الفاجر والفاسد، وإما أن تسلخ جلودنا مصبحة ممسية بكل قسوة مستعينة بكل ساقط وساقطة وكل فاجر مأجور على وجه المعمورة.
البعوض يلاحقك بكل مكان فلا تستطيع إغلاق النوافذ من خلفه فهذا المخلوق العجيب سوف يجد له طريقاً للتسلل والدخول, وهذا ديدن الجزيرة في نبش الجروح والطنين بجوار الأذن فقط للإثبات أنها موجودة, كالبعوضة بالضبط. والجزيرة تنشر الأمراض الاجتماعية والسياسية والفوضى الأمنية والقلاقل وكان لها ولحاضنتها الشريرة قطر يد طولى في الفوضى التي ضربت تونس وليبيا وسوريا واليمن ومصر وغيرها من البلاد, وشاهد العالم قاطبة الطائرات القطرية تنقل المال والسلاح للمقاتلين الليبيين وغيرهم فقط لنشر الفوضى.
وسمعنا جميعاً الأب الروحي لأمير قطر الإخونجي القرضاوي كيف أثبت دور قطر قيادةً وحكومةً علانيةً على رؤوس الأشهاد في دعم الحركات والثورات وهيجان الشارع العربي، وكيف كان يؤلب الشارع العربي على حكامه بدلاً من التهدئة والسكون وحقن الدماء. وهذا المشهد نفسه نشاهده في البعوضة فهي لا ترتاح حتى تأخذك على حين غرة وغفلة وتمتص جزءاً من دمك الغالي وتترك ندبه في جسدك كتذكار مؤلم لها حتى لا تنساها بسهوله.. ولكنها للأسف قبل أن تشعر أنت بهذه اللسعة وهذا الألم تكون هي قد هربت وابتعدت بدمك. وهذا ديدن الجزيرة الخبيثة فهي تشعل الثورات والمؤامرات والدسائس والمعارك هنا وهناك ثم تنسل بهدوء كما تنسل الحية لجحرها بعد أن أتمت عملية اللدغ القاتل.
الجزيرة بعد ما دمرت ليبيا وسوريا هربت فقد انتهت رسالتها الفاسدة والدموية والآن تبحث عن مكان جديد للتدمير, وهذا ديدن البعوضة والجزيرة على حد سواء. كذلك تشترك البعوضة والجزيرة أن كليهما حقيرة ذليلة صغيرة لا أحد يلتفت لهما لولا طنين البعوضة لما عرفت بمكانها, وكذلك الجزيرة الحقيرة فهي تجعجع لتعرف وتطبل لتكبر ولها طنين كالبعوض ليعرف نتاجها الوقح والفاسد. والبعوضة عندما تلمسها تلاحظ نعومة ملمسها وكأنها حرير، ولكن إياك أن تغتر بتلك النعومة فالحية السامة القاتلة أيضاً ناعمة الجلد ولكنها أيضاً تحمل بين أنيابها السم القاتل، وكذا البعوضة مع لدغتها يصاب الإنسان بعدة أمراض لعل منها الملاريا وغيره من الأمراض الخطيرة.. وكذلك الجزيرة الخبيثة فعند مطالعتك تعجب كيف يدس السم في العسل وكأنها المصلح للأمة والراعي للمصالح والحريص على لم شمل الأمة.. فأيّ إصلاح جلبته الجزيرة لليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا.. فوالله لم تجلب سوى الدمار والمآسي والدماء والموت في كل بقعة يحل فيها ذلكم العفن النجس.
البعوضة تعيش وتهوى الظلام وتتكاثر بالظلام وتلدغ بالظلام, وكذلك الحال في الجزيرة الغبراء والتي تلتقط أخبارها من الظلام وفي الظلام وتعشعش بالظلام وتزرع جنود الشيطان بالظلام. كذلك الحال فالبعوض يهوى المستنقعات الراكدة والنتنة وكذلك الحال في الجزيرة الخبيثة، فهي دائماً في المستنقعات الفكرية والسياسية والأخلاقية القذرة ولن تجد لها سوقاً خارج هذا العالم الفاسد والفاجر فلا يمكن أن تجدها في سوق الأخلاق والنبلاء ولا سوق الكرام والعظماء وإنما تجدها في أسفل سافلين ترسل من شذ من مراسليها مثل البعوض ليمتص دماءً هنا أو هناك وليقتات على الدماء والأشلاء للأبرياء وهدفها الأساس إثارة البلابل والنعرات والحروب والصدامات والفتن والنزاعات.
وإذا أردنا أن نقضي على البعوضة فعلينا أن نردم موطنها وكذلك في الجزيرة الغبراء علينا أن نردم أماكن تواجدها وانتشارها وتكاثرها فلم تأت لمكان إلا وصحبت معها الخراب والدمار فلننظر ماذا قدمت الجزيرة الخبيثة لسوريا أو للعراق أو لليبيا أو غيرها من البلدان التي ابتليت بهذه البلية والمصيبة. البعوضة عندما تستقر في مجتمع وتعيش فيه فهذا اجتماعياً وصحياً واقتصادياً علامة عيب وضعف ومرض وكذلك الجزيرة؛ فعند ملاحظتك أحداً ما مطالعته للجزيرة لوحدها تلاحظ ضعف مداركه وقلة حيلته وسفاهة حجته وسقامة عقله.. والبعوضة من أسهل الحشرات قتلاً فمن السهل قتلها بأيّ طريقة حتى باليد مباشرة وهذا كالجزيرة بالضبط فهي من أسهل القنوات الإعلامية تعرفها بكذبها وخداعها ونفاقها وتزويرها للحقائق ومن السهل فضح فسادها وكذبها.
من هنا نعرف أوجه الشبه الكبيرة بين البعوضة المؤذية للبشر في صحتهم وعافيتهم وبين الجزيرة المؤذية للبشر في أوطانهم ومجتمعاتهم وسياستهم واستقرارهم واقتصادهم, فكلاهما حشرة مؤذية لكن الفرق بسيط، وهو أن الله تعالى خلق البعوضة لهذا وهذا من حكمته تعالى.. وأما الجزيرة الخبيثة فلقد اختارت هي ومن قام بها طريق الشيطان والغواية والفساد والدمار طريقاً ومنهجاً خائباً خاسراً تسير عليه {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}.