أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: قال الأستاذ (مجدي وهبة)، وزميله: «الموضوع هو ما يدور حوله الأثر الأدبي سواأ أدل عليه صراحة أم ضمناً؛ وهذا المصطلح يستعمل الآن لدى علماء اللغة بمعنى أضيق؛ وهو الفكرة الجوهرية للمؤلف، أو القضية العامة التي يدافع عنها الأثر الأدبي.. وأما الموضوع الجدلي عند (أرسطو) والمناطقة: فهو الأفكار العامة التي تتألف منها مواضع الكلام؛ والموضوع الدال هو موضوع أو حدث قصصي، أو شخصية، أو فكرة، أو عبارة تتكرر في أدب ما، أو مأثورات شعبية معينة.. وقد يتكرر الموضوع الدال في عدة آداب.. مثال ذلك شخصية (شهرزاد)، أو قصة (دون خوان).. وقد يتكرر في أدب واحد في عصور مختلفة مثل فكرة الشعر الخالد الذي لا يطويه الزمن في (الأدب الإنجليزي) منذ (شكسبير) حتى أوائل القرن العشرين لدى (ويليام بتلر بيتس).. وقد يتكرر في الأثر الأدبي الواحد؛ وذلك مثل عبارة: (ثم أدركها الصباح، فسكتت عن الكلام المباح)، في (ألف ليلة وليلة).. والموضوعية وصف لما هو موضوعي؛ وهي بوجه خاص مسلك الذهن الذي يرى الأشياأ على ما هي عليه؛ فلا يشوهها بنظرة ضيقة، أو بتحيز خاص؛ وهذه الصفة كثيرا ما تنسب إلى الأثر الأدبي الذي يبدو فيه المؤلف كأنه يقدم شخصيات سرده؛ أو مواقفها بطريقة لا تعتريها مؤثرات شخصية، أو تحيز.. ويلاحظ أن الشعر الحديث بعد الحرب العالمية الأولى قد اتصف بهذه الموضوعية بصفته فعلا للتعبيرات العاطفية المسرفة التي كانت تـميز بين النزعة الرومانتيكية، والمدارس الشعرية الرمزية التي سبقت هذه الحرب.. كما يلاحظ أن الموضوعية مفهوم صادف رواجا بين الأدباإ في فرنسا خاصة منذ ازدهار النزعة الطبيعية والواقعية في أواخر القرن التاسع عشر.. انظر معجم المصطلحات ص 396.
قال أبو عبدالرحمن: الآن بدأت نظرية العقل الجمالي؛ وبدأ سردي إن شاأ الله تعالى بعض الحلقات عن هذا الموضوع في بضع سبتيات، ثم انتقل إلى موضوع آخر حتى لا يمل القارئ؛ ذلك أنني لا أمل بين الفينة والفينة من التعريج بجرعات عن (النظرية الجمالية)؛ لأنها عند الخواجات، ومثقفي العرب: بحوث فلسفية جامدة غامضة؛ بسبب أنهم جردوا الإحساس الجمالي للمعرفة والعلم، وأهملوا الجانب الغريزي؛ ولا ريب أن (الإحساس الجمالـي): معرفة وعلم؛ وهذا حق، ولكن ذلك لا يظهر إلا بعد إيقاع لذيذ يستجلـي فيه ما هو جميل مـمتع من مناظر طبيعية، ومن نماذج أدبية؛ ثم يكون بعد ذلك (الحكم الجمالي) الـمنتج علما ومعرفة .. وعنيت أيضا بالتعريج على النظرية الجمالية بجرعات أكثرها تجريبية؛ لأن تأصيل هذه النظرية وإن لم تكن في بلادي السعودية معدومة إلا أنها انطباعات عاجلة يستمد أكثرها من مأثورنا البلاغي.. وحينما يحار الإنسان بين التذاذه بمنظر طبيعي، أو فني، أو نص فني ، أو سماع فني: فإنه يظهر عجزه عن تحديد الماهية التي أثارت الجمال في النفس من ذلك الموضوع الخارجي، ويعجز أن يستخرج من الموضوع ماهية تجعل الإحساس علما بتحديد لغوي واضح؛ ولكن هذا يعني أن الإحساس الجمالي لا ينتج علما؛ وإنما نتحسس من اللذة الجوانية في النفس، ومن تحليل الموضوع الخارجي ظواهر ستكون أمامنا بارزة جدا من التجارب الطويلة في تذوقنا الفنون الجميلة؛ مما نعده جمالا؛ فهو ابتداأ علاقة بين الوجدان في النفس وبين الموجود الخارجي الذي نسميه موضوعا.. ومثال ذلك هذا المنظر الطبيعي عن منحدر من مرتفع يسقط منه ماأ بشدة وعنف؛ فيتناثر منه الرذاذ على جميع الأنحاإ مختلطا بأشعة الشمس؛ ومن ثم تبدو ألوان طيف متناسقة.. ويحتضن المنحدر إطار أخضر من غابات أشجار باسقة، وأرض سندسية انتشرت فوق أديمها قطعان الماشية، وتخللتها زهور مختلفة الألوان؛ فهذا منظر خلاب عند أكثر عباد الله من عامي ومن مثقف عالي الثقافة.. وقد يوجد قلة من الناس تفتقد الإحساس بهذا الجمال؛ ولكن ذلك ضمن حالة حجبت الإحساس بالجمال؛ ذلك أن النظرية الجمالية أمشاج تتكون من الموضوع بمواصفاته كالمنظر الطبيعي الذي أسلفته، ومن الشخص الذي وجد عنده الإحساس الجمالي وفق درجات ثقافته وأخلاقه وتدينه، ومن العلاقة بين الشخص ذي الإحساس وبين الموضوع في حالات يستلب فيها الإحساس وتحجب الرؤية، أو في حالات يتضاعف فيها الإحساس بالجمال لعلاقة حممة بين ما هو جميل في نفسه؛ لأن ما ازداد جماله؛ إنما كان ازدياده بحالة جمالية أخرى يعيشها ذو الإحساس الجمالي؛ وتلك الحالة من أنواع التداعيات النفسية والمعنوية والفكرية.. خذ مثال ذلك حال خواجي يجلس مع أليفته لسماع موسيقى أو لحن؛ فيطير فرحا ويقول: (يا حبيبتي: إنهم يعزفون أغنيتنا)؛ فأيهما أثار استجابته لذلك الفن: أهو قيمة فنية داخل اللحن نفسه، أو هو قيمة خارجة عن اللحن آتية من خبرة سابقة؛ وإنما ارتبطت باللحن؛ لأنه أثار الانتباه إليها بشكل ما، أو هو قيمة اللحن وروعة الذكرى معا، أو قيمة اللحن الفنية ومتعة حالة يعيشها مع قرينته حضورا وليس ذكرى سابقه.. ثم هل من شرط القيمة الفنية: أن تستخلص بعيدا عن علاقتها بالأشياإ الأخرى؟؟؟!!!.. وإلى لقاإ في السبتية القادمة إن شاأ الله تعالى، والله المستعان.