أخذ العامل مبلغًا يوميًا من المحل
* أنا أعمل عند شخص في محل وأنا أشك في ثقته، فقد امتنع عن دفع أجور عماله مرات متعددة، فأنا كل يوم أسرق راتب يومي دون علمه، وانتظر موعد الدفع، وعندما يدفع لي أُرجع ما سرقته، فما رأي فضيلتكم، خاصة ونحن نمر بمواسم فاضلة في بعض الأحايين، ويؤنبني ضميري، وأنا ما زلت آخذ النقود دون علمه؟
- هذا الذي يَسرق من كفيله أو مُؤجره بقدر حقه عليه، هذه المسألة عند أهل العلم تسمى: «مسألة الظفر»، بمعنى أنه يكون الحق لشخص لا يستطيع استخراجه ويماطله مَن هو في ذمته، فتسنح له فرصة أن يأخذ شيئًا من ماله من غير علمه بقدر أجرته المتفق عليها، فهذا -مثلاً- مُرَتّبُه ألف ريال، يسرق -كما نص عليه في السؤال- كل يوم، يقول: (أسرق راتب يومي دون علمه)، هذه مسألة الظَّفَر، وفيها خلاف بين أهل العلم، من أجازها استدل بقصة هند امرأة أبي سفيان -رضي الله عنهما- حينما قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك، بالمعروف» [البخاري: 5364]، وهذا عمدة ومُعوَّل من قال بجواز هذه المسألة التي هي مسألة الظّفر، ومن أهل العلم من يرى التحريم والمنع، وأن هذه خيانة، وأن مَن له حق عليه أن يسلك الوسائل الشرعية لاستخراجه، ويستدلون على ذلك بحديث «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُن من خانك» [أبو داود: 3535]، وعلى هذا نقول للأخ السائل: لا يجوز لك أن تسرق، وإنما لك أن تطالب بحقك، لا سيما أن هذا أمر ظاهر، والعقد متفق عليه، وعملك مشاهَد، كلٌّ يشهد به، ودفعُه أجرتَك لا بد أن يقيم عليها البينة، وحينئذ تستطيع استخراج حقك بالطرق والوسائل الشرعية دون أن تضطر إلى هذه الوسيلة التي فيها نوع خيانة. بينما ما استُدل به من قصة هند امرأة أبي سفيان، هي لا تستطيع أن تُقيم حجة على دعواها في مثل النفقات وما أشبهها، فإقامة الحجة عليها فيها نوع غموض، فمثل هذه يباح لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها.
***
قياس نقل الدم على الرضاع
* هل تثبت المحرمية بنقل الدم من شخص إلى شخص قياسًا على الرضاع باعتبار أنه مُغذٍّ؟
- القياس في مثل هذا لا يَتَأتّى، والنص الوارد في الرضاع لا يَسْرِي على الدم ولو انتفع المنقول إليه بهذا الدم، ولو بقيتْ به حياتُه، فإنها لا تحصل الحُرمة بين المنقول والمنقول إليه؛ لأن النص إنما ثبت في الرضاع، وقياس الدم عليه مع الفارق.
***
ترك السجود عملاً بنصيحة الطبيب
* إذا قال الطبيب لمريضه الذي أصيب في عينه: (لا يمكنك السجود؛ لأنك قد تتضرر بذلك، ويتأخر علاجك، وعليك أن تصلي مستلقيًا أو مضطجعًا)، فهل له أن يترك السجود لعذر المرض الذي أصاب عينيه، ويأخذ بنصيحة الطبيب؟ وماذا يلزمه الآن؟
- من أُصيب في عينيه أو في أي عضو من أعضائه كالركبتين مثلاً، ولا يستطيع السجود، فإنه يسجد حسبما تَيسَر له؛ لأن الدين يسر، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ويحصل له أجر السجود، ويحصل له- إذا مُنِع من غير تَسبّبٍ منه- القربُ من الله -جل وعلا-؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهو ساجدٌ حُكمًا، ويترتب عليه جميع ما يترتب على السجود، و»إذا مرض العبد، أو سافر، كُتب له مثلما كان يعمل مقيمًا صحيحًا» [البخاري: 2996]، فهذا الذي منعه الطبيب الثقة من السجود، وأقصد الطبيب المُتحرِّي؛ لأنّ بعض الناس من المرضى أو بعض الأطباء لا يتحرى في هذا، فيمتنع خشيةَ أن يُصاب بشيء غير مظنون، وهذا من مزيد حرصه على صحته، وتساهله وتفريطه في أمر دينه، فمثل هذا عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، أما إذا نصحه الطبيب المُتحرِّي، أو رأى المريضُ المُتحرِّي أن في هذا ضررًا أو زيادةً في مرضه أو تأخر برئه، فإنَّ هذا يصلي على حسب حاله، وله الأجر كاملاً -إن شاء الله تعالى-. وإذا ثبت أن المريض يتضرر بالسجود فإنه يأثم بسجوده، إذا كان الضرر بالغًا، بأن يزيد مرضه، أو يتأخر برؤه، فلا شك أنه لا يجوز للإنسان أن يزاول ما يضره؛ لأن بدنه ليس ملكًا له.
** **
يجيب عنها معالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء