عطية محمد عطية عقيلان
شهد الإعلام تطوراً سريعاً في السنوات العشر الماضية وذلك نتيجة توسع وتطور الوسائل الإعلامية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصال والنت، وكان التطور الذي نال وسائل الإعلام متسارعة على المستوى التقني والمادي ولم يتواكب مع التطور البشري للقيام بتعبئة المنصات الإعلامية المتعددة والمتشعبة. ولعدم التوازن بين الوسائل المعروضة والطلب من خريجي المعاهد والجامعات المتخصصة واجهت نقصاً حاداً في العامل البشري ولجأت إلى ملء الفراغ لتوفير التغطيات وضمان استمرار الزخم واستمرار البث أو الطباعة، رافق ذلك سهولة إطلاق المحطات التلفزيونية والإذاعية والصحف الإلكترونية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التفاعلية، ولتعبئة ذلك النقص الحاد في العامل البشري استقطبت للعمل دون تدقيق مناسب أو تطبيق معايير مهنية تضمن القيام بواجبها المهني (لأن فاقد الشيء لا يعطيه) فلا غرابة من رؤية محلل رياضي أصبح يقدم برامج اجتماعية أو صحفي أصبح مذيعاً أو مخرج أصبح كاتباً...الخ ونتج عنه تخمة الوسائل الإعلامية بالغث والسمين مع نتائج في أغلب الأحيان كارثية كالمحللين الرياضيين والاقتصاديين والسياسيين، وشهد الإعلام طفرة كبيرة في الكم ونقص في البشر، فظهر جيل المقاولات الإعلامية (بتاع كلو) يحلل الأحداث؛ الاقتصاد والرياضة والسياسية فقط من أجل تعبئة الفراغ بحجج ضعيفة ومستهلكة دون قدرة على إقناع الناس والتأثير عليهم ونتج عن ذلك التحليل حسب الميول ثقافة ضحلة في جزء بسيط وحسب الممولين في الجزء الأكبر لأنه يتبع المبدأ المتبع في المقاولات (الرزق يحب الخفية) وشهدنا في السينما قديماً ظهور مصطلح أفلام المقاولات من خلال إنتاج أفلام من قبل تجار عقار يديرون الفن كالتجاره بمنطق الربح والخسارة وكانت النتيجة الفنية كارثية وتراجع فنيون ونجوم اختفوا بسرعة البرق.وقد حصلت في طفرات سابقة في مجالات أخرى؛ طفرة البناء ونقص المهندسين والفنين والمقاولين المتخصصين ولحاجة السوق وكثرة الطلب تحول الكثير إلى المقاولات دون أدنى معرفة معتمدين على نظرية التجريب والتعلم ونرى كم هي العيوب في طفرة العقار والبناء سواء المشاريع الخاصة والمشاريع العامة وسوء التنفيذ نتيجة الجهل أو عدم الدراية أو نقص الفنيين المؤهلين.
لذا نرى في المشهد الإعلامي التلون والتغير والتحول بين ليلة وضحاها من مواقف ومبادئ معينة إلى مواقف ومبادئ أخرى وما ينادى به لسنوات أصبح يحاربه فقط لأن الممول تغير أو نكاية فيمن يعاديهم من دول أو أناس، لذا لا نستغرب وجود نجوم جدد في الإعلام ممن تجاوزوا الستين والسبعين فقط لأنهم يجيدون الحديث في إيصال المعلومات واستقطاب الناس.
أتمنى أن تتجه الدول إلى تكثيف جهودها من خلال صناعة حقيقية للإعلام تبحث عن الكيف لا الكم لا سيما أن تجربة الكم تسقط في كل اختبار حقيقي أمام أي هجمات تواجه بلدانهم وتتحول إلى ردود عاطفية تضر وتضعف مواقف دولهم أكثر من الدفاع عنها.
آن الأوان لصياغة إعلامية تستقطب وتدار من أهل العلم والاختصاص، تقديم ما يؤثر في المجتمعات ويرتقي بها ويستغل كل المنصات لتقديم بلده بشكل إيجابي وطموح وبناء وفعال. قرار يحتاج إلى تغليب العقل على العاطفة لأن المرحلة المقبلة في كل مجالات الحياة تحتاج إلى إعلاميين متفتحين متعلمين يؤثرون في ارتقاء دولهم ويسهمون في بنائها دون تطبيل أو تجريح وبالاستفادة من خبرات الجميع دون إقصاء.