د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
إدراكاً لأهمية الحرص الدائم للقيادة السياسية في بلادنا على الاستفادة من التجارب الدولية في جميع المجالات، ولحاجة المملكة المستمرة في خلق علاقات وثيقة ومتنامية ومتوازنة مع أعضاء المجتمع الدولي، ولأهمية استخدام إمكانيات المملكة المميزة، وتوجيه مقوماتها الاقتصادية لتوثيق هذه العلاقات وتنميتها، فإن تفعيل الدبلوماسية الناعمة لتلعب دورا مؤثرا في إطار مسار العلاقات السعودية الثنائية، باتت ضرورة وطنية ملحة، إذ تشكل مسارا يذلل الكثير من الصعاب والعقبات.
وربما كان من الضروري التأسيس لـ «هيئة للدبلوماسية الناعمة» تمثل مجلسا وطنيا ذا شخصية اعتبارية، يعمل من خلال إشرافه العام على الدبلوماسية السعودية الناعمة، وعلى تهيئة القبول العام للتوجهات والمواقف السعودية حول كافة القضايا والمستجدات على المستويات الإقليمية والدولية، وتعزيز العلاقات السعودية مع المجتمع الدولي، اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وعلميا وإعلاميا وغيره، من خلال برامج ومناشط مختلفة ومتعددة، تقوم الهيئة بالتأسيس لها وتنفيذها بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، ووزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، مستفيدين من الإمكانات والطاقات الوطنية، ذات الدراية والمعرفة بالموضوع، وبتخصصاتها ومهنها المختلفة، للتأثير على الرأي العام الأجنبي، لصالح الوطن والمواطن.
ونرى أن تتمثل رسالة الهيئة في «تعزيز العلاقات مع شعوب العالم قاطبة، في مختلف المجالات ومن خلال ترسيخ مفهوم الدبلوماسية العامة / الناعمة، كفاعل رئيس في تنمية العلاقات وتطويرها مع المجتمع الدولي».
ونرى أنه ينبغي أن تشمل الأهداف العامة للهيئة، ولا تقتصر على:
. الارتقاء بالمهام وبالدور الذي تلعبه الدبلوماسية السعودية الناعمة.
. زيادة عدد جمعيات الصداقة السعودية ودعم انفتاحها على جمعيات الصداقة الأجنبية.
. توطيد أواصر الصداقة والتعاون بين شعب المملكة والشعوب في مناطق العالم المختلفة.
. تعريف المجتمع الدولي بثقافات وعادات الشعب السعودي وتبادل الخبرات والتجارب معه.
. تنشيط الحوار البناء والهادف بين الأديان والحضارات والثقافات ومختلف الأعراف والتقاليد.
. تشجيع التواصل بين جمعيات الصداقة السعودية ونظيراتها في الدول الشقيقة والصديقة.
. تشجيع علاقات التوأمة بين جمعيات الصداقة السعودية ونظيراتها في الدول الأجنبية.
. الاحتفاء بالمناسبات الوطنية للشعوب الصديقة والشقيقة محليا.
. التنسيق الدائم بين جمعيات الصداقة والجاليات الأجنبية المقيمة في المملكة للقيام بعمل ثنائي يدعم تعزيز العلاقات بين دولها والمملكة.
. التنسيق المتواصل لتحفيز التعاون التراثي والتبادل الثقافي بين جمعيات الصداقة ونظيراتها على المستويين الإقليمي والدولي.
ويتضح مما سبق، أنه يمكنُ للدبلوماسية السعودية الناعمة أن تمتد في أدائها، لتشملَ مساحات واسعة من العمل «المشترك» مع مختلف الأطراف الدولية، وذلك من خلال جمعيات الصداقة، التي تستطيعُ أن تلعبَ دورا كبيرا ومؤثرا وبارزا، في بناء علاقات المملكة بالمجتمع الدولي في المستقبل المنظور.
ويمكنُ القولُ إن الدبلوماسية الرسمية المعاصرة، التي تعتمد في إطارها العملي والتنظيمي على السفارات والبعثات، سوف تتحول إلى دبلوماسية جديدة، تعتمد على جهات «غير رسمية» من المؤسسات الأهلية، والمنظمات، والجمعيات المدنية، وذلك في الكثير من المهام والأعمال المتعلقة بتطوير علاقات الدول وتعزيزها، أي بمعنى آخر، أن «دبلوماسية المستقبل» سوف تبنى على دبلوماسية ثابتة من خلال مؤسسات دائمة، ولن تكون مرتبطة بشخصيات دبلوماسية.
وهذا يعني أن علينا في المملكة، أن نهتم بدبلوماسيتنا الناعمة، أكثر من أي وقت مضى، وأنه يتوجب علينا أن ندعم تأسيس جمعيات صداقات جديدة، وأن نجعلها تشارك وبشكل مباشر في بناء علاقات المملكة بالعالم، وبالآخر، إبرازا لجهود المملكة ومواقفها وسياساتها وتوجهاتها، وتوضيح ذلك لشعوب العالم أجمع.
إن إدراك دور الدبلوماسية العامة وأهميتها المستقبلية، في خدمة الأهداف الإستراتيجية للمملكة، سوف يمكّنُ الدبلوماسية الرسمية، من أداء أكثر فاعلية وقوة في خدمة السياسات الرسمية، كما سيساعدها في تواصلها مع أعضاء المجتمع الدولي، بشرائحه ومكوناته المتعددة والمختلفة.
وحقيقة الأمر، أنه لا يختلف اثنان على أهمية تأكيد دور الدبلوماسية الناعمة في تعزيز علاقات المملكة الخارجية، وعلى أهمية توفير الميزانيات المناسبة لها، وعلى توظيف العقول والمواهب والكفاءات والطاقات لإنجاحها، وعلى التأسيس لمراكزها وبرامجها وسياساتها، حتى تكون دبلوماسية فاعلة، تنفذ على أسس وسياسات ومناهج علمية ومهنية، وذلك من منطلق أن الدبلوماسية الناعمة تمارس في العادة بالتنسيق مع الدبلوماسية الرسمية التقليدية في دفع مصالح الدول المشتركة، وتعزيز مكانتها بين نظيراتها من الدول على المستويين الإقليمي والدولي، وفي كل المجالات، وعلى مختلف الأصعدة.
إن «الوصول» إلى دبلوماسية ناعمة سعودية ناجحة، تقوم بدورها تجاه تعزيز علاقات الوطن بالخارج سوف يحتاج دائما، إلى «الإيمان» بالدور الذي يمكن أن تقوم به، وبأهميتها في وقننا الراهن، وهي الأهمية التي «تتضاعف» يوما بعد يوم.