ماجدة السويِّح
نحن الصحافيون نبحث عن الجديد والمثير، ونركز على التفرد في تناول الموضوعات والأحداث، لكن الأخطر أننا نتعامل مع الموضوعات الصحية والطبية في غرف الأخبار بنفس الطريقة التي نعالج بها الموضوعات الأخرى، ونرغب في إبراز الحداثة والغرابة، وننسى أن التناول الصحفي للموضوعات الطبية والصحية، يسير بطريقة مختلفة قد تكون بطيئة، وغالبا غير مثيرة.
الجانب الصحي والطبي له أهله من أهل التخصص، والقدرة على التحرير، وتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة للجمهور، بعيدا عن الإثارة والتهويل، فلكل مقام مقال.
يوضح الخبر الذي نشرته «واس» عن اعتماد علاج جديد يقوم بعلاج السرطان كليا، ونفته وزارة الصحة عبر بيان صحفي حجم التزييف وعدم الدقة في تناول الموضوعات الطبية، ويحسب لوزارة الصحة إصدار بيان للتوضيح، وتصحيح المعلومات المغلوطة، التي انتشرت عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.
قبل عشرين عاما سجل التاريخ نشر أول بحث علمي يربط بين لقاح الأطفال ومخاوف الإصابة بالتوحد في مجلة طبية محترمة، وقد أصبحت الدراسة واحدة من أكثر البحوث العلمية شيوعا في مجال الطب..
الدراسة التي قادها الطبيب والباحث الإنجليزي أندور ويكفيلد تم تطبيقها على 12 طفلا، وأشارت إلى النتيجة المخيفة عن وجود صلة بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والإصابة بالتوحد.
اهتمت وسائل الإعلام حينها وحتى وقت قريب بالنتيجة غير الصحيحة، حيث ساعد البحث على ظهور حركة مكافحة ومقاومة للتطعيم، خوفا من احتمالية إصابة الأطفال بمرض التوحد. تم لاحقا إثبات خطأ تلك النتيجة الخطيرة من قبل باحثي التوحد، الذين أكدوا أن اضطراب النمو المرتبط بالتوحد ليس له علاقة باللقاحات.
البيانات الخاطئة في تلك الورقة العلمية ساعدت في نشر وتغذية حركة مقاومة وتشكيك في اللقاحات ورفضها في جميع أنحاء العالم، من قبل بعض المجتمعات أو الأسر، والنتيجة كانت تفشي الحصبة في أوروبا وأمريكا وأستراليا، مما دعى بعض الدول الأوربية إلى إلزام الوالدين بتطعيم أطفالهم، وتغريمهم في حال رفض اللقاح.
النتيجة الكارثية كانت وما زالت للأسف تذاع، وتمرر من خلال الشبكات الاجتماعية أو وسائل الإعلام.
الورقة العلمية المنشورة كانت مجرد «تقارير للحالات»، وهي قصص تفصيلية حول التاريخ الطبي الخاص بالمرضى، وهي من أضعف أنواع الدراسات الطبية، ولا تحتوي على دليل يربط التطعيم بالتوحد بحسب تقرير موقع «Vox» المنشور عن الحادثة.
الباحث ارتكب خطأ جسيما في نشره لبحث ينقصه الإجراء العلمي المحكم، وصغر حجم العينة التي استدل بها، واستنتج استنتاجه المثير.
لكن بنفس القدر ساهمت الصحافة في انتشار واستهلاك المعلومات المغلوطة، فقد أخطأ المحرر العلمي في الصحافة في نشر بحث دون التأكد من تفاصيله المنهجية، ربما لأن التحقق من منهجية البحث قبل نشره سيفوت عليه القصة المثيرة، والنتيجة الخطيرة، التي حتما ستكون عنوانا جاذبا لكل متابع.
الصحافة كانت شريكا في الترويج لدراسة مزيفة، ومسؤولة بالمشاركة مع الباحث عن إشاعة وإدامة فكرة أن اللقاحات تسبب التوحد، فهي لا تقل جرما عن باحث كاذب أو محتال.
لذا ليكن البيان الذي أصدرته وزارة الصحة في تعاطيها مع الأخبار غير الدقيقة، نموذجا للمحرر في تحرير الموضوعات الطبية والصحية قبل المبادرة بالنشر، أو الترويج لقصص مزيفة.