خالد بن حمد المالك
جمعتني بالأستاذ عبد الله بن محمد الشهيل رفقة عمر لا أدعي أنها كانت عميقة، لكنها أعطتني على مدى أكثر من أربعة عقود فرصاً كثيرة للتعرف على شخصيته، وسبر صفات لا أجد كثيراً منها في غيره، وأدركت في كل لقاء جمعنا داخل المملكة وخارجها أنني أمام رجل مريح وأنيس في حديثه، وإن رأى البعض أن تمسكه باللغة العربية الفصحى في مناقشاته فيه تكلف على ما اعتاد عليه دعاة تسهيل الطريق أمام اللغات الدارجة حتى ولو كانت بكلمات عامية.
***
يمكن أن نقول عن المرحوم عبد الله الشهيل أنه كان ذو تنوع في ثقافته، فإلى جانب تخصصه في التاريخ، واهتمامه بالانساب، وتعمقه في تأكيد معلوماته مستنداً على مراجع مهمة، ومصادر ذات قيمة تؤيده في مواقفه البحثية التي ينحاز لها عن قناعة، فإنه أيضاً كاتب اجتماعي وسياسي، كما يعد أحد المهتمين بالثقافة، وتحديداً بما لها صلة بالأدب، إلى جانب انخراطه مبكراً ضمن آخرين في خدمة الحركة الرياضية والشبابية.
***
في مؤلفاته، ومقالاته في الصحف، ومثل ذلك في محاضراته، والندوات التي شارك فيها، كان دائماً يمثل شخصية ذات نفس طويل في الحديث عن أي موضوع، كما يعطي في أبحاثه ودراساته كثيراً من الاهتمام لتأصيل المعلومات والآراء التي تهم متابعيه، وتوثيقها، كما فعل في كتابه عن الملك عبد العزيز، وهو بالمناسبة ضمن الأكثرية الذين ألهمتهم تجربة الملك عبد العزيز وفروسيته، فكانت هذه الشخصية السياسية المبهرة إحدى أهم مؤلفات الراحل عبد الله الشهيل عن الملك المؤسس.
***
ومع وفاته، تكون المملكة قد فقدت واحداً من الأدباء الذين حافظوا على منهج مقدر في نشاطاته الفكرية والثقافية، وقد ترك -بالتأكيد- تجربة جديرة بالدراسة للمهتمين بهذا اللون من الأطياف الثقافية التي كان الشهيل واحداً من الشباب الذين اقتحموا مبكراً هذا الميدان، وجعلت من اهتماماته مدخلاً ليكون صديقاً لكثير من المثقفين السعوديين وغير السعوديين الذين سبقوه في هذا الميدان، بما يجعلنا نستشعر آنذاك بأن لدى المملكة رصيداً من الأسماء الأدبية الكبيرة وذات الاهتمام بالتاريخ في زمن كان التعليم في بداية ظهور ما سمي بالشباب الجامعي.
***
ولعل ترشيحه ليكون رئيساً لإدارة الأندية الأدبية حين كانت ضمن نشاطات رعاية الشباب قبل نقلها إلى وزارة الإعلام، ثم إلى محطتها الأخيرة وزارة الثقافة، يؤكد أن عبد الله الشهيل كان الرجل المناسب للإشراف على الأندية الأدبية، ولا بد أنه أسهم كثيراً في وصول الأندية الأدبية في مرحلة إدارته لها إلى ما وصلت إليه.
***
رحم الله الأخ العزيز، فقد فاجأني خبر وفاته، ولم أكن لأعرف عن مرضه، لولا أنه انقطع عن نشر مقالاته في الجزيرة، وزيارته لنا من حين لآخر في الجزيرة متكئاً على عصاه، دون أن يشعرك بما كان يمر به من معاناة صحية حتى لا يشعر محبيه بما يزعجهم عن حالته الصحية، دعواتنا بأن يكون سكنه في آخرته خيراً من دنياه، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.