د. محمد عبدالله الخازم
عندما أسست جامعات المناطق والمحافظات كان ضمن الأحلام الكبيرة الأدوار التي ستقوم بها في مجتمعاتها المحلية وإمكانية تفرّدها بالتميز مستحضرين تجارب جامعات عالمية تقع في مناطق ومدن صغيرة لكنها تتميز وتعلب دوراً مهماً في مجتمعاتها. كنت وما زلت منزعجاً من مجرد نسخ وأحياناً نسخ مشوّه لما تقوم به الجامعات الكبرى التي كانت يوماً ما فروعاً منها. والمقلق كذلك هو نظر الجميع إلى مبادرة جامعة أو جامعتين للاحتذاء بها أو تقليدها، حتى إنني قلت يوماً إنه إذا صلحت جامعتا الملك عبدالعزيز وسعود فسيصلح التعليم العالي السعودي بجامعاته الثلاثين، وذلك استشعاراً لكون الغالبية تقلّد هاتين الجامعتين بشكل عجيب، بل أذكر قصة عند تأسيس كلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك فيصل (الدمام) وبعد أن كتبت العرض لمجلس الجامعة طلب مني معالي مدير الجامعة آنذاك إضافة جملة «وسيتم الاستعانة بخبرات الجامعة الأم - يقصد جامعة الملك سعود- في هذا الشأن» وشرح لي الأمر بأنهم ينظرون لها كقدوة ومجرد الإشارة لها يطمئنهم ويعجّل الموافقة على برامج كليتنا المقترحة.
يبدو أنني خرجت عن الموضوع/ عنوان المقال، ولكن أعود للقول بأن جامعة الطائف وهي جامعة حديثة ومتوسطة الحجم مقارنة بالآخرين وتقع في منطقة يغلب عليها الثقافة القبلية والريفية، تشق طريقها بخطوات واثقة وليست مجرد مقلّدة للآخرين، بل إن الكبار قلَّدوها في بعض الخطوات. طبعاً المستوى الأكاديمي ليس مجالنا فتأكيده عن طريق الاعتمادات الأكاديمية ذات العلاقة وآثار التغيير فيه يحتاج وقتاً أطول لقياسه، لكنني أتطرق لمبادرات الجامعة الفكرية والثقافية والمجتمعية، فقد كانت جامعة الطائف المبادرة بتمكين المرأة الأكاديمية من خلال تعيين أكثر من أستاذة بمنصب أكاديمي رفيع كان محصوراً وحكراً على الرجل مثل منصب عميد الكلية أو العمادة، ونقصد هنا عميد للكلية وليس مجرد الشطر النسائي منها. جامعة الطائف عينت عميدة للكلية من أهل الكلية وأتاحت الفرصة للكفاءات من عضوات هيئة التدريس بينما هناك جامعات (كبيرة) حينما فعلت ذلك كان على طريق تعيين الشخصية المقرّبة (طريقة المحسوبيات المعتادة) حتى ولو كانت من كلية أو تخصص آخر!
في الجانب الاجتماعي، اقتربت جامعة الطائف من المجتمع عبر برامجها المجتمعية الأكاديمية وعبر برامجها الثقافية، فهي جزء من المجتمع وليس هناك تابوهات تمنعها من تنويع أنشطتها لمجتمعها ومجتمع الطائف وتقدّم ما هو اعتيادي في المجتمع، كحفلات الموسيقى الشبابية بشكل مهذَّب بمصاحبة أنشطتها اللا صفية وتبني مركزاً شعرياً منفتحاً على الشعراء والمثقفين وليس حكراً على الدراسات الأكاديمية المعلّبة، ولعب دور في المشاركة في مهرجانات عكاظ وغير ذلك من النشاطات ... إلخ. طبعاً ولا زال المأمول أكثر من ذلك ...
المبادرات وإن كان حجمها ليس بارزاً كما قد يرى البعض، تمثِّل بدايات ومؤشرات إيجابية. أخيراً يجدر بنا الإشارة إلى أن الصعوبات التي تواجهها جامعة الطائف هي كون طموحات القائمين عليها أكبر من مقاسات الأنظمة والتعليمات ذات العلاقة، لذلك أطالب بدعم الأفكار الطموحة لقياداتها وتيسير تنفيذها بدلاً من وأدها بحجج الأنظمة واعتيادية الخوف من التغيير..