عبدالوهاب الفايز
هل تتذكرون الانطباعات والأفكار التي تولدت لديكم بعد الاطلاع على المقال الذي نشره في 3 نوفمبر الماضي الرئيس التركي طيب أردوغان في جريدة الـ(واشنطن بوست) حاملاً راية الحرب الإعلامية على السعودية، الذي تضمن تحريضًا واضحًا على السعودية، ودعوة إلى محاسبتها دوليًّا، وقدم نفسه كزعيم يؤمن بحقوق الإنسان والديمقراطية؟
هذا المقال حينئذ كان مفارقة مضحكة في المشهد السياسي.. حديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في جريدة حملت لواء العداء لتركيا وللرئيس أردوغان منذ سنوات بعيدة. إنه التنكر للأخلاقيات، وتحالف المصالح بين الصحيفة والرئيس!
المؤسف أن مقال أردوغان لم يكن آخر المشوار في التحريض؛ فالذي يتضح الآن للسعوديين أن حكومة تركيا شريك رئيسي في (مشروع) متكامل العناصر، له هدف واضح، وله قائد ومالك، وله شركاء في المصلحة، وله فِرق العمل التي تنفذ وتقيّم وتتابع المخرجات. الذي يزعج كل سعودي ظل يقدم حسن النية، وحسن الظن بالقيادة التركية، هو التطور النوعي الجديد في توسيع دائرة التحريض، والانتقال إلى (المواجهة الصريحة). وهذا الاستنتاج نجد الحقائق التي تدعمه واقعيًّا؛ إذ يتم فتح المجال للمحسوبين على الإخوان المسلمين لتكون إسطنبول منصة الحراك السياسي المعلن المدعوم بالأموال القطرية لمواصلة حملة التحريض والكذب على السعودية.
كل سعودي يهمه أمن بلده واستقراره يؤسفه ويزعجه ويقلقه أن يرى فلول جماعة الإخوان يعودون إلى إسطنبول بقوة، وبملتقيات ومؤتمرات مكشوفة، تتضمن التآمر والتخطيط على أمنه. ماذا يقول أي سعودي يرى ويسمع التحريض على (استمرار الربيع العربي!!) في بلاده؟ هذه دعوة خراب، تستهدف وجوده، وتستهدف تخريب بلاده وتفكيكها.
بوصفنا سعوديين نحن مطمئنون على مستقبل بلادنا. والأزمة الأخيرة أكدت للشعب السعودي أن استقرار وأمن بلادهم هما المستهدفان، والأحداث التي يتم اقتناصها واستغلالها لا تزيدهم إلا إيمانًا بأهمية الحفاظ على الجبهة الداخلية. والتباكي الغربي على حقوق الإنسان وحقوق الشعوب لا يخرج عن إطار النفاق السياسي الذي تعودنا عليه.
هل تركيا، التي ما زالت تتهم بسجلها السيئ في حقوق الإنسان، بل هذا الجانب هو أحد أسباب عدم قبولها في الاتحاد الأوروبي.. هل القيادة التركية تنوي ممارسة النفاق الغربي في قضايا حقوق الإنسان؟ إذا كانت القيادة التركية يهمها العلاقة مع (الشعب السعودي) فلماذا إذن احتضان ورعاية مساعي التحريض المنظمة؟ هل هذا هو الجزاء والعرفان للشعب السعودي الذي ظل محبًّا ووفيًّا لتركيا، ويفخر بإنجازاتها وبتقدمها الاقتصادي، وكان في مقدمة السياح المنفقين بسخاء، وفي أوائل المستثمرين في اقتصادها، وهو أيضًا الذي كان في مقدمة من أدان الانقلاب ضد الرئيس أردوغان، ووقف يدعو لتركيا بالمساجد مدفوعًا بشعور المسلم تجاه أخيه الذي يحب له ما يحب لنفسه؟ كانوا يدعون الله أن يحفظ تركيا، ويحفظ لها أمنها واستقرارها خوفًا على أشقائهم.. لا يريدون لهم الخراب وحالة الدمار التي يرونها في المنطقة.. والأهم أننا، مدفوعين بحسن النية، تجاهلنا مشروع التطبيع مع إسرائيل، كجزء من الإسهام في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي لم تسبق إليه حكومة تركية قبل حزب العدالة والتنمية!
هل يجازَى الشعب السعودي وقيادته على موقفهما بالجحود والنكران؟ بل الأخطر: يقابل بمواصلة التحريض والدعوة للخراب!
الواضح أن (نظام الحمدين) في قطر مع حليفه حزب الإخوان يضع الآن ثقله بحثًا عن فرصة أخيرة في (مشروع استهداف أمن السعوديين، وتخريب بلادهم). والسؤال الذي يزعجنا: هل حكومة تركيا تضع نفسها بوضوح كشريك في هذا المشروع؟ وعمومًا، سوف نظل نتساءل مدفوعين بحسن الظن، ويؤلمنا كثيرًا أن نجد الأيام والوقائع تقول إن الظن لا يغني عن الحق شيئًا.