فهد بن جليد
لا أميل للتعريف المُحدِّد لمن نُطلق عليهم (مُسنين) في مُجتمعنا، ممَّن تقاعدوا عن أعمالهم أو تجاوزا الستين من العمر، هناك (خبراء) في الحياة وصلوا إلى هذه المرحلة العمرية، بل وتجاوزوها بكثير، ومازال لديهم عطاء وحيوية وهمَّة تفوق همِّة كثير من الشباب، بالمُقابل من المؤسف أنَّ الغربيين يستمتعون كثيراً بهذه المرحلة العمرية وكأنَّ حياتهم الحقيقية بدأت للتو، ليكتشفوا المزيد منها بالإقبال عليها بتفاؤل وسعادة وتحرُّر من كثير من قيود الأبناء والعمل التي قيَّدت حياتهم السنوات السابقة، ما يجعلهم ينخرطون في حياة أخرى قد يكون منها (شق عملي) للاستفادة من خبرتهم لعطاء آخر بطريقة جديدة ولأهداف مُختلفة، وهو أمر نفتقده في مُجتمعاتنا العربية التي تمنع المُسن من العمل، لن تكون الصحة هي الفارق الوحيد بين المُسنين العرب والأجانب، بل إنَّ عوامل نفسية واجتماعية مُساعدة ومُحيطة هي التي تصنع المشهد والفارق, لتجعل (المُسن العربي) مُحاصراً بالأمراض والأوهام، نتيجة الشعور الذي ينتابه بمُجرَّد التقاعد أو الوصول لهذا العمر.
سنوات ونحن نتغنى بأنَّ حال المُسنين لدينا أفضل بكثير من الغرب الذين يُرمون في دور العجزة، وأنَّ الأب أو الأم هناك قد يواجهان الوحدة حتى الموت، مُتناسين أنَّ هناك نماذج لأسر شاهدناها في الشرق والغرب مُمتدَّة ومُتماسكة لجيلين أو ثلاثة - مثلما هو الحال في مُجتمعنا - إضافة إلى وجود قوانين وأنظمة تحفظ للمُسن هناك حياة كريمة، وتمنحه رعاية اجتماعية وصحية فائقة، تتناسب مع عمره واحتياجه، ليس الغرب كُلُّه كذلك، مثلما أنَّنا أيضاً لسنا جميعنا كذلك نُطبق البرَّ بكبار السن أو نهتم بهم، فهناك نماذج مؤسفة وقصص مُحزنة في كل المُجتمعات ومُختلف الثقافات.
الفرق دائما يكمُن في القدرة على خلق أجواء مُفعمة بالحياة والأمل والنشاط، والإيمان بالله - عز وجل - وقدرة الإنسان على عيش حياة مُتجدِّدة في كل مراحل العمر، فلا فرق بين شاب ومُسنَّ، ولا أدلَّ على ذلك من انقلاب الآية بوجود شباب يتصرفون (كالمُسنين) وكأنَّ الحياة أنهكتهم بمصاعبها، فأصابهم الملَل والفراغ والوحدة، وهي حالة لافتة تتسع يوماً بعد آخر، قد يُعيدها البعض لصعوبات الحياة وتقلُّص الفُرص الوظيفية، فيما يتحدث آخرون عن تأثير الأغذية والمياه المُعبأة، وهناك من يتحدث عن أثر عدم مُمارسة الرياضة وقلة الحركة والمشي... باختصار (أعراض المُسنين) لا ترتبط بعمر الإنسان بقدر ارتباطها بحالته الصحية والمزاجية والنفسية فهي التي تشيخ بالفعل.
وعلى دروب الخير نلتقي.