م. خالد إبراهيم الحجي
إنَّ الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة والآراء المغرضة المنحازة التي تُبعد المجتمعات عن الحيادية والموضوعية، وتقلب الحقائق، وُجدت في ميدان الصحافة والإعلام القديم قبل الإنترنت، وظهر تأثيرها الكبير ورد فعلها على المجتمعات المستهدفة منذ فترة طويلة قبل ظهور القنوات الفضائية والسوشيال ميديا: اليوتيوب والفيسبوك وتويتر.. وغيرها. وهذه الظاهرة بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي قبل (100) عام تقريبًا في الدول الآتية:
(1) الدعاية الألمانية (البروبوجاندا النازية) التي بثت حملات الكذب والتضليل، وروجت بقوة للأيديولوجية النازية، ومجدت قيمها، مثل: الافتخار بالعرق الآري، والاعتزاز بالجرمانية وإعلائها، وفي المقابل شيطنة اليهود والشيوعية الروسية والإمبراطورية البريطانية أعداء الحزب النازي.
(2) الدعاية السوفييتية الموجهة إلى دول الكتلة الشرقية التي ظهرت بعد الهزيمة المطلقة لألمانيا النازية من قِبل الحلفاء، ونشطت في حملات الكذب والتضليل، واستندت بشكل واسع إلى الأيديولوجية الماركسية اللينينية لتطبيق النظام الاشتراكي، وتعزيز خط الحزب الشيوعي في عصر ستالين.
(3) وسائل الإعلام الأمريكية: وشملت الصحافة الورقية والإذاعات الصوتية والقنوات التلفزيونية خلال سنوات الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي نفسه، وسارت على المنوال نفسه في التزييف والتضليل ومهاجمة النخب الأمريكية والأكاديميين الذين طالبوا بإنهاء الحرب الفيتنامية، واتهمتهم بالاشتراكية الشيوعية. ثم تطورت حملات الكذب والتضليل بعد ظهور القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الحديثة التي تتصف بسرعة انتقال الأخبار عبر السوشيال ميديا، وأصبح من السهل جدًّا تضليل المشاهدين بقلب الحقائق وتزييفها، وإثبات صحة المزيف والمزور بعمليات المونتاج والخدع التصويرية التي تجيد تركيب الصور ومشاهد الفيديوهات المزيفة، واختيار الأخبار المجتزأة أو المنحازة مع الإغفال المتعمد لباقي الأخبار والحقائق الأخرى التي تم اجتزاؤها من سياقاتها، وخلطها مع بعض الحقائق للوصول إلى توليفة أو تركيبة معينة، تخدم الانحيازية المقصودة.. ثم أنشأت شركات التكنولوجيا الحديثة غرف الصدى (إكو شيمبرس) عبر الإنترنت التي تُستخدم في وسائل الإعلام الإخبارية لصياغة الأفكار، والاستقطاب السياسي والاجتماعي. وقد أجرت مؤسسة (ديموز) الخيرية بإنجلترا بحثًا، أكد تأثير غرف الصدى في السياسة الأوروبية مثلما أثرت بشكل غير مباشر في نتيجة الاستفتاء الوطني للبريطانيين حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) باستقطاب المصوتين البريطانيين لصالح الخروج.. لذلك سعت الحكومات في مختلف دول العالم لوضع القوانين والتشريعات الرادعة لمكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وحمَّلت شركات التكنولوجيا أكبر المسؤولية في نشرها وتدويرها بين المجتمعات.. ومع ذلك لم يحدث تغيير جذري عند كثير من الناس من حيث استعدادهم لاستقبال الإشاعات، وحبهم لسماعها. وفي دراسة، قام بها معهد (إم. آي. تي) في مدينة بوسطن الأمريكية للتحقق من (126000) شائعة وقصة كاذبة على شبكة التويتر، وجدت أن الأخبار الكاذبة تنتشر بشكل كبير وأسرع وأعمق وأوسع نطاقًا وأكثر رواية بين الناس من الأخبار الحقيقية الصادقة في جميع المواضيع. وقد كانت الأخبار السياسية الكاذبة أكثر انتشارًا وتأثيرًا من الأخبار الخاطئة عن الإرهاب أو الكوارث الطبيعية أو العلوم أو الأساطير الحضرية أو المعلومات المالية. وأفضل الطرق لمكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وأكثرها نجاحًا وفاعلية، هي التي تبعد عن الضبابية والغموض، وتعتمد على الشفافية والوضوح في عرض الأخبار الحقيقية الصادقة، والمعلومات الصحيحة، والآراء الموضوعية المحايدة في مختلف القضايا والمواضيع التي يكثر الخلاف فيها، وتثير الجدل عن طريق فتح وسائل الإعلام للمفكرين والمحللين للنقد والتفسير والتوضيح، وعقد المؤتمرات الصحفية بصفة مستمرة؛ لأنها تعتبر قنوات اتصال مباشرة مع الجماهير والمواطنين الذين يطرحون أسئلتهم على المسؤولين الحكوميين، فيظهرون الحقائق إلى المجتمعات لسد الطرق المضللة أمام انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة؛ كي لا تقع المجتمعات فريسة في براثن الإعلام المغرض.
الخلاصة:
إن الخصوم والأعداء ينفقون الأموال، ويسخرون وسائل العلام الحديثة في صناعة الأخبار الكاذبة لقلب الحقائق، وتضليل المجتمعات.