رقية سليمان الهويريني
المتأمل يرى اشتمال دعوة القرآن والسنة على ضوابط أخلاقية تحث على الفضيلة، وتندد بالفواحش والرذائل، وتحذر من مزالق النفوس وأهوائها، بتناسق تام بين تعاليم الشريعة ومبادئ الأخلاق الفاضلة، وبين أهداف تهذيب الفرد وإصلاح المجتمع.
وفيما تصنف القيم إلى ثلاثة أنواع أحدها طبيعي كامن في طبيعة الإنسان ونفسه، وأخرى تكتسب عن طريق الأسرة والحياة الاجتماعية، وثالثة قيم منهجية كالمصداقية والموضوعية والمنطقية؛ إلا أن المشاهد ضعف هذه القيم مقابل اللهث وراء الهوى والمال!
وما ألمسه هو تهاوٍ مريع في منظومة القيم! حيث بدأ يخبو مصطلح الوازع الرّوحي وصوت الضمير ذلك المفهوم السليم للحرية والمسؤولية ووظيفة الإنسان في الحياة. برغم وجود إرث إسلامي واجتماعي من قيم مرجعية شاملة ومتكاملة ذات أصول نظرية، ولكنها تفتقد لتطبيقات عملية في سلوك الناس وتعاملهم سواء فيما بينهم أو مع الدولة! بينما يلزم حضورها في جميع مجالات الحياة (الأسرية والروحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، والعلمية والفكرية) فالقيم تشكّل أهم دعامة لبناء الفرد والمجتمع، وهي أساس لحفظ الأمم والدول والمجتمعات، وبفضلها ينهض العمل وتستقيم المعاملات.
إن تخليق مجتمعنا وأنسنته وتنميته، لن يتيسر دون إعادة تقوية القيم لدى النشء، وتمتينها في نفوسهم، الأمر الذي سيجعلهم يدركون أهميتها ويطبقونها في حياتهم.
وأزعم أنه لا يمكن أن تنجح أية تنمية ويتحقق التطوير دون التأكيد على منظومة القيم وتحويلها لشبكة من السلوكيات التطبيقية القائمة على أسس علمية ومعيارية مثل التسامي عن النقمة والحقد، والحض على التسامح والانفتاح والصلاح وقبول الآخر والسعي والعزم الجاد، مع الاستئناس بالتجارب الدولية التي استثمرت تلك المنظومة بنجاح باهر في نهضتها الاقتصادية وتحولت لمجتمع الرفاه.
وإني لأجزم حين العودة للقيم الإنسانية وانتفاء الظلم والاعتداء والعنف والكذب والأنانية، وشيوع العدالة والصدق والتضحية والإيثار بأننا سنرتقي بالخدمات الذاتية وسيعود مصطلح الوازع الرّوحي براقا يسيّر الحياة ويضبط إيقاعها.