د.عبدالله بن موسى الطاير
الرئيس فلاديمير بوتين كسر حاجز «التحفظ» المفتعل في أروقة قمة العشرين بمصافحة شهيرة مع سمو ولي العهد، سوف تبقى علامة مميزة في قمم العشرين. بوتين كُلف برئاسة الحكومة من قبل بوريس يلتسن في صيف 1999م، ثم أصبح رئيسًا بالنيابة. وفي مارس 2000م انتُخب رئيسًا لروسيا الاتحادية لمدة فترتين، ثم رئيسًا للحكومة، وبعدها انتُخب للمرة الثانية رئيسًا لروسيا الاتحادية لفترتين، تنتهي الثانية عام 2024م. أي إنه سيمضي وقتئذ 24 عامًا ونيفًا متربعًا على عرش السلطة، وقد يطول به المقام.
شهد انهيار الاتحاد السوفييتي وهو ضابط في أمن الدولة، وحضر أثناء خدمته في ألمانيا الشرقية سقوط جدار برلين عام 1989م. ويقال إن الرجل يعاني من فوبيا الاضطرابات، ويجعل الاستقرار السياسي فوق أي اعتبار. إنه يحمل الدكتوراه في الاقتصاد، ومحبوب من شعبه؛ إذ انتخبه أكثر من 76 % من الشعب الروسي في الربع الأول من هذا العام. ومنذ دلف بوتين إلى السلطة نما الاقتصاد الروسي، وتحرر بوتيرة مثيرة للإعجاب، وانخفض مستوى الفقر، وشغلت روسيا موقع الاتحاد السوفييتي بجدارة. وبذا يمكن القول إن الرئيس بوتين بمصافحته الشهيرة لسمو الأمير محمد بن سلمان لم يتجاهل الرأي العام الروسي، وإنما أعلن بشجاعة موقفه من دولة هي مضرب المثل في الاستقرار السياسي على مدى نحو 90 عامًا.
لا أريد الدخول في جدل النظريات السياسية عن أيهما أدعى للاستقرار، الديمقراطية أم حكم الفرد؟ ولكن في عجالة فإن الديمقراطية الغربية تميز نفسها بأنها تملك أدوات سلمية لتداول السلطة، وتعتبر حرية التعبير بمنزلة الإنذار المبكر لأية مهددات محتملة، كما أن الحوار بين أطياف المجتمع يسمح للديمقراطيات بأن تتوصل لحلول توافقية بين الفرقاء، ويستطيع الشعب أن يكبح جماح الحكومة، وبخاصة فيما يتعلق بفرض الضرائب أو رفع الأسعار. وأخيرًا فإن اقتصاد الأنظمة الديمقراطية مرن، ويمكن أن يحقق وتيرة من النمو، وأن تنتقل الثروة بشكل سلس بين طبقات المجتمع دون فرض المزيد من الضرائب. وأخذًا في الاعتبار ما تمتاز الديمقراطية به عن غيرها من الأنظمة - وفقًا لمنظريها - يمكن اجترار حلول مقابلة، تختص بها دول أخرى. فالرئيس الروسي انتُخب بإرادة شعبية وسط معارضة شرسة، وتم تداول السلطة مع يلتسن ثم ميدفيدف سلميًّا، وعمل على تحرير الاقتصاد، وسمح نظامه بمستوى من حرية التعبير القادرة على تنبيه الحكومة إلى المشكلات المحتملة قبل وقوعها. كما أن روسيا الاتحادية تضم داخل حدودها السياسية تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا وثقافيًّا، قد لا يشابهه مثيل في الديمقراطيات الغربية، ومع ذلك فإن الحوار بين المكونات المتنافرة لم يتوقف تحت مظلة الدولة.
ربما نقول تجاوزًا إن بعض الدول تقدم نموذجًا موازيًا للديمقراطية الغربية على تفاوت فيما بينها من حيث الانتخابات وحرية التعبير، ولكن هذه الدول لم تتعرض لمشكلة في تداول السلطة، ولكل منها أدواتها الخاصة في معالجة التناوب على كرسي العرش، وهي دول تتمتع باقتصاديات ضخمة، واستقرار لا يقل بحال من الأحوال عن نظيره في الدول الديمقراطية. كما أن لكل من هذه الدول وسائل في إدارة التمايز بين مكوناتها، وهي لا تعمل بمعزل عن نبض الشارع، ولكنها تتحسس الرغبة في التغيير أو الإصلاح، وتستشعر حالة الغضب أو السخط والاحتقان، وتعالجها بطرق مناسبة وإن كانت غير ديمقراطية.
السعودية التي أعرف جيدًا تضع قيادتها ألف حساب للرأي العام، وتقترح سياساتها وتعدلها بناء على قبول الشعب لها من عدمه، ويكبح الملك في الوقت المناسب اندفاع أجهزة الحكومة ووزاراتها في سياسات قد تلحق ضررًا بالمواطنين. كما أن تداول السلطة فيها منذ المؤسس حتى الآن يتم بطريقة سلمية وسلسة، تحترم تقاليد الأسرة الحاكمة ومتطلبات الحكم في الإسلام.
لا ريب أن الإعلام الليبرالي الديمقراطي سيصور المصافحة الشهيرة بين سمو ولي العهد والرئيس الروسي على أنها استخفاف بمشاعر الرأي العام، لكن الواقع يقول إنها أرسلت رسائل مهمة، هي أن هناك قواسم مشتركة، تتشكل سريعة بين نمط في إدارة الدول، يحقق الحكم الرشيد، ولا يعبر من بوابة الديمقراطيات الغربية، وأن هذا الارتياح الذي يعلي شأن الاستقرار قد يتحول إلى توجه عالمي مقابل للديمقراطية. المصافحة كانت بين رجلين ترتفع أسعار النفط وتنخفض بناء على تعابير وجهَيْهما.