د. محمد المامي ولد محمد حامد ولد حميدي
ما هي إلا أيام قليلة وتزدان هذه الربى ويمرع منها ما كان أجدب، وتنبجس البهجة العذراء من أديم الكلمات، احتفاءً واحتفالاً وفرحًا بمقدم ضيف تشتاق رمالنا الظمآنة له اشتياقها لصبايا الغيم وهي تحمل أجنة الماء، ضيف يستبشر به أهل هذا الوطن الغني بأهله استبشار شعرائهم بقافية بيضاء، مضمخة بعطر المفردات، ومكتسية بحرير البيان وبهاء البديع، قافية مفتونة بأمير شاب، تحلم أن تعانقه صبايا الحروف، وتصافحه أمواج الأطلسي، لتكتمل عند لقائه القصيدة.
أيام قليلة ويحل سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضيفًا عزيزًا بين ظهراني أهله في موريتانيا، موريتانيا التي أحبته قبل أن تطأ أقدامه ثراها، وقبل أن يقرر زيارتها، مبادلة إياه الحب منذ خصص لها ركنًا باذخًا في قلبه الرحب، وأحاطها بأياديه البيضاء وأيادي والده الملك الحازم سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظهما الله - فكانا خير أخ وصديق لهذا البلد البعيد جغرافيًا والقريب مودة وحبًا.
إن موريتانيا إذ تحتفي وهادًا وجبالاً ورمالاً وأمواهًا بضيفها الكبير سمو الأمير محمد بن سلمان تستحضر قول شاعرها:
فمرحب قولها باللفظ متحد
لكنها باختلاف الناس تختلف
من أجل ذلك كان لزامًا علينا كموريتانيين أن نرحب بسمو الأمير محمد بن سلمان ترحيبًا يليق بمقامه السامق، ومنزلته في قلوبنا التي تخفق بالمحبة للمملكة العربية السعودية وقادتها وشعبها الأصيل، ترحيبًا بهيًا بهاء صنائع المملكة العربية السعودية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كما يجب أن يكون هذا الاستقبال مشبعًا بثاني أكسيد الحب بقدر حب شعب موريتانيا لبلاد الحرمين الشريفين، مهبط الوحي وخير بقاع الأرض.
ينبغي ونحن نحتفل بمقدم صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان والوفد المرافق له أن ننشد جميعًا، وقد مهدنا قلوبنا سجادًا أحمر لضيوفنا قول الشاعر:
لو علمنا قدومكم لفرشنا
مهجة القلب أو سواد العيون
وأقمنا بين الجفون طريقا
ليكون المرور بين الجفون
كيف لا ترحب موريتانيا بزيارة سمو الأمير محمد بن سلمان وهو ابن الملك سلمان -حفظه الله- والذي بفضله وبمعية أخيه فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وبمواكبة من ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وصلت العلاقات الموريتانية السعودية ذروتها، وكان لدعم المملكة السخي الفضل الكبير في إنجاز الكثير من المشاريع في موريتانيا، حيث تحتل بلادنا المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي دعمتها المملكة في السنوات الأخيرة بحسب ما جاء في منصة المساعدات الخارجية للمملكة العربية السعودية بمبلغ تجاوز مليارًا ومائتي مليون دولار أمريكي، هذا بالإضافة لعشرات الاتفاقيات في شتى المجالات.
فخلال الأعوام القليلة الماضية قدمت المملكة لبلادنا الكثير من المساعدات والدعم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
وديعة بقيمة مليار دولار وضعت لدى البنك المركزي، ساهمت في انتعاش العملة الوطنية..
111 مليار ريال سعودي قدمت من طرف الصندوق السعودي للتنمية.
86 مليار سعودي قدمت لتمويل مشاريع زراعية في حوض نهر السنغال.
55 مليون دولار لإعادة إعمار مدينة الطينطان التي نكبت بسبب الفيضانات.
12 مليون دولار خصصت لحفر الآبار الارتوازية في مناطق عدة ضمن مشروع التنمية الإفريقية.
75 مليون ريال مول بها مقطع طريق رابط بين تجكجة وأطار.
وهذا غيض من فيض إسهامات المملكة العربية السعودية وقيادتها في بلادنا، فهل سننسى كل هذه الصنائع البيضاء، وننساق وراء دعاية مغرضة كاذبة خاطئة يروجها رعاة الإرهاب وقنواتهم العفنة التي تفوح من شاشاتها رائحة الدم والغدر بالأشقاء.
يقتضي رد الجميل منا كموريتانيين أن نرحب ملأ أفواهنا بهذا الضيف؛ وفاء لعهد الأخوة والمودة، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
إن الشعب الموريتاني سموألي في طبعه، شيمته الوفاء، ولأن كان من بين أفراده قلة فتنتهم قنوات الفتنة، فصاروا يرددون دون وعي ما تبث من افتراءات، ضاربين عرض الحائط بمصالح بلدهم، متجاهلين أواصر الأخوة التي تربط المملكة العربية السعودية بشقيقتها الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ويطلقون تصريحات مثخنة بالإحباط لا تكاد تبين، يحرفون الكلم عن مواضعه قائلين إن الشعب الموريتاني لا يريد هذه الزيارة، وإنما تدل تصريحاتهم عن جهل بالمجتمع الموريتاني الذي لن يسمح لهم بتعكير صفو هذه الزيارة التاريخية للأمير محمد بن سلمان، والتي تعتبر الأولى من نوعها لولي عهد سعودي لبلادنا.
إن المبررات التي ساقها المفتونون وهم قلة لرفض هذه الزيارة تعتبر واهية، ويجب الرد عليها ليحيى من حيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وهي في غالبها كلام تسربل بالوهن؛ مأخوذ من قناة الجزيرة وأخواتها اللاتي رضعن معها لبان الإرهاب والفتنة، والتي يتهمون فيها القيادة السعودية بدم كذب، قبض على من أراقوه وهم بقبضة العدالة وينتظرون جزاءهم، وذلك بعد قتلهم للصحفي جمال خاشقجي- رحمه الله -، وهو الأمر الذي استنكره الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وتعهدا بمحاسبة مرتكبي الجريمة أيًا من كانوا وهو ما حدث، حيث يقبع المتهمون بالجرم في غياهب السجن لحين الانتهاء من القضية.
الحقيقة أن الفجائيين (نسبة للخارجي قطري بن الفجاءة) لا ينقمون من الأمير محمد بن سلمان إلا أنه كشف حقيقتهم للعالم، وأراد أن يحل السلام ثقافة بدل القتل والإرهاب، وأراد للمملكة هو ووالده أن تعود للإسلام المعتدل الذي لا غلو فيه ولا تكفير؛ نابذًا التطرف ومحافظًا على روح الدين القيم الإسلامية النيرة، ومعطيًا المرأة حقوقها التي حرمت منها لعقود، دون إفراط فيها ولا تفريط، مع المحافظة على القيم الإسلامية السمحة.
إن أكثر ما يزعج أعداء المملكة العربية السعودية في هذه الزيارة أنها تأتي في ظرف خاص حاولوا فيه تشويه صورة قيادتها، وتلفيق الأكاذيب على سمو الأمير محمد بن سلمان ليصدمهم بجولته العربية؛ التي أثبت خلالها ثقة العالم بهذا القائد الشاب ويفند المزاعم التي كانوا يروجون لها على قنواتهم المسيئة.
ولأن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى فقد جعلوا من إنجازات الأمير محمد بن سلمان على المستوى المحلي والدولي عيوبًا، فانتقدوا سياساته لأنه استطاع خلال سنوات قليلة أن يحارب الفساد، ويصلح الإدارة السعودية، ويقوم بمشاريع ضخمة، ونجح في جلب الاستثمارات للمملكة، ناهيك عن دعمه للشرعية في اليمن ووقوفه في وجه المد الحوثي ونصرة إخوانه في اليمن الشقيق.
إذا محاسنيَّ اللاتي أدل بها
كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر؟
إن ما يسعى إليه المرجفون الذين يرمون المملكة العربية السعودية بالبهتان، ويتبعون الظن وما تهوى أنفسهم الأمارة بالسوء هو تشويه صورة أطهر بقاع الأرض وقيادتها، ولكن الله يأبى ما يأتون، {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} الآية 32 من سورة التوبة.
مرحبًا بالأمير محمد بن سلمان في موريتانيا، فقد حل أهلاً ونزل من قلوبنا سهلاً، نرحب به ترحيبًا شنقيطيًا حارًا حرارة الشوق لأرض الحرمين الشريفين، ونفرح به فرح الشناقطة حين يقبلون الحجر الأسود أول مرة، نرحب به لأننا نتشارك ذات المواقف، ذات المصير؛ ذات الحب؛ الذي تقاسمناه فأوتينا منه كفلاً، وأعطيت المملكة العربية السعودية منه خلاقًا.
مرحبًا بالأمير محمد بن سلمان بقدر الحفاوة التي طالما عاملتنا بها سفارة خادم الحرمين الشريفين كموريتانيين، إذ مدت جسرًا من الحب رغم البعد الجغرافي بين شعبينا الشقيقين، لنعبر من خلاله إلى الرياض من نواكشوط كل ثانية دون تأشيرة ولا تذكرة سفر.