عمر إبراهيم الرشيد
مبهرة هذه الحضارة الغربية في نظمها المدنية وتقدمها التقني والصناعي، وعجيبة في ديمقراطيتها الماثلة، وحقوق الإنسان (المكفولة). قبل أيام نشرت وكالات الأنباء خبراً من الغرابة لا ينطبق عليه سوى المثل العربي (شر البلية ما يضحك)، حين قدم ممرض ألماني لأسر وذوي ضحاياه اعتذاره أثناء محاكمته. وتتلخص قصة هذا الممرض القاتل في أنه كان يجرب عقاقير لها آثار جانبية مسببة فقدان الوعي ومن ثم تدهور أجهزة الجسم، بهدف اختبار وتعزيز قدرته على إنعاشهم وإعادتهم إلى حالتهم الطبيعية، فكان يفشل ويعيد التجربة مرات ومرات، حتى قتل بعبثه وانعدام حسه الإنساني مائة مريض!.
سبق أن كتبت هنا ولم آت بجديد حينها، عندما تحدثت عن (الإنسانية) في إلغاء حكم الإعدام في الدول (الديمقراطية)، بدعوى عدم تكرار القتل حتى بالمجرم المستحق لهذه العقوبة مراعاة لحقه في الحياة، مع أنه حرم ضحيته أو ضحاياه من حقهم في الحياة، وحرم ذويهم وأقاربهم من وجوده بينهم، مسبباً مآسي نفسية واجتماعية ومنافع عديدة خسروها بخسارة ضحيتهم، كمثل هذا الممرض الدخيل على هذه المهنة الإنسانية النبيلة. ترى هل ستضج وسائل الإعلام غرباً وشرقاً على هذا السفاح مطالبة بتقديمه للقصاص نظير مجزرته تلك؟، أشك في ذلك ولكم أنتم رأيكم المعتبر، والسبب أن الجريمة تمت في بلد يرعى (حقوق الإنسان) وهذا حقهم الذي نحترمه مهما كان اختلافنا معهم، إنما لا يأتينا منهم من يتحدث عن جهازنا العدلي الشرعي ونظامنا القضائي بأنه ينتهك حقوق الإنسان ولا يرعى حقوق الجاني والمجرم، أو السجين أو الموقوف كما تصيح بذلك جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من شخصيات غربية وشرقية، وهم يكفيهم مثل قصة هذا الممرض لو نظروا بعين الإنصاف والتجرد من الأهواء والتحامل البغيض.
ولأننا أمة وسط كما قال المولى سبحانه، فلا يتوجب علينا أن ندعي الملائكية وخلو الأمة من الأشرار والأمثلة المشوهة نفسياً وخلقياً وفكرياً وهذا ماثل لكل عاقل، وهذه سنة الله في خلقه حين أعطى كل نفس مشيئتها في الخير والشر مع تربص الشيطان ببني آدم على صراطهم في هذه الدنيا، وإن بلغت الأمة هذه المرحلة القاتمة من تاريخها فلا بد لها من أن تعود بإذن الله إلى رقيها ورفعتها وإن طال الزمن، فالأمم دورات من الصعود والهبوط وليس بعد هذا القاع إلا الارتقاء مرة أخرى والله المستعان.
ومن جهة أخرى، فإن لدينا أمثلة ناصعة ولا يزال الخير في الأمة إلى يوم الدين، والعاقل كذلك لن يعدم تلك الأمثلة، حمى الله بلاد الحرمين وأعاد بلاد العرب والمسلمين إلى استقرارها ونمائها وإلى اللقاء.