عبدالعزيز السماري
يعد العدل من أكثر المفاهيم جدلاً في تاريخ الإِنسانية، فقد اختصم حوله السياسيون والفلاسفة ورجال الدين، وكان بمثابة الحلم الأكثر جدلاً بين العوام، لكنه في نفس الوقت تعرض لتفسيرات متطرفة، كان من أبرزها الشيوعية، التي تعني التوزيع المتساوي للثروات، وكانت عواقبها وخيمة، فقد سقطت إمبراطورية كبرى بسبب فشل تلك التطبيقات..، وهو ما أسقط المفهوم الاقتصادي للعدالة، الذي يناقض أبسط أبجديات التنمية..
وهو ما يجعل من العدالة مفهوماً فلسفياً صرفاً عن الصواب أو عن الصواب في الأخلاق، وعلى الرغم من أن العدالة يمكن القول إنها أساسية لأي نظام أخلاقي، إلا أن تعريف «العدالة» و»العادل» ما زال يخضع لتعريفات مختلفة بين نطاق واسع بين الفلاسفة، والأخلاقيين، والمفكرين السياسيين.
إن مفهوم المرء لماهية العدالة يعتمد في نهاية المطاف على الموقف الأخلاقي للفرد، وعلى سبيل المثال، فإن البعد الأخلاقي الذي يؤيد المقاربات المترتبة على فلسفة الأخلاق سوف ينظر في العدالة على أساس أنها إِنسانية صرفة، بينما يقوم المطلق الديني الأخلاقي على أساس مفهوم الإيمان في عقيدة معينة، والانصهار في تعاليمها وتطبيقاتها، وبدون التقييم العدلي لتلك المبادئ.
وهو ما يعني أن مشكلة العدالة ما زالت تحتل مكانة خاصة في الفلسفة السياسية المعاصرة. وعلى حد تعبير جون راولس «العدالة هي أول فضيلة للمؤسسات الاجتماعية»، ويبدو أن وجهة النظر هذه مشتركة بين أغلبية المؤلفين والمنظرين في قضية العدالة..
لكن التساؤل الأكثر جدلاً في هذا السياق، هو عن البعد الذي يجب أن يكون عليه الناس متساوين؟ وهل هو في رفاههم أو قدراتهم أو مواردهم أو أي شيء آخر؟، وهل له علاقة بمسألة الحقوق وتكافؤ الفرص في الحياة، ويعني ذلك الحصول على الحق وفرص العمل والتعليم بدون طبقية أو مفارقات فئوية..
كذلك هناك اختلاف حول نطاق مطالب العدالة وتطبيقاتها: فهل يجب أن يدين الناس عمومًا بواجبات العدالة لبعضهم البعض؟ أم أنها فقط مخصصة لأعضاء في المجتمع المنظم؟، وهو ما يعني أن العدالة مفهوم معقد عند تناولها اجتماعياً، فالناس في كثير من الأحيان يمارسون حياتهم على أسس غير منطقية، وأقرب لسمة الذئبنة والصراع والغلبة، فالقوة تطغى على أي مقاربات أخلاقية في أي مجتمع في العالم، لكنها في حالة الإخفاق يصرخون مطالبين بتطبيق العدالة..
* خلاصة القول إن العدالة لا تعني التشابه المطلق والتساوي بالمسطرة بين الناس، لكنها روح أخلاقية تسكن في داخل الأنظمة السياسية والاجتماعية والقضائية، وتعني على وجه التحديد تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، وأعني بذلك أن تكون الإجراءات في منتهى الوضوح لتحقيق العدالة للأفراد وللمجتمع..
لكن الأهم من ذلك أن إدراك أن تلك الروح العدلية جزء لا يتجزأ من فطرة الإِنسان، وتشكل أحد وجوه الوعي في رحلة الإِنسان في الدنيا، ومن خلالها يبدو قادراً على إصدار حكماً حول أمر ما، وهل هو عدل أم غير ذلك، فالناس شهود الله على الأرض، ومن ذلك تخرج نظرية المحلفين في المحاكم الغربية، التي تقوم على بنية تلك الفطرة الإِنسانية الأساسية..