طارق العبودي
كلنا نؤمن بالقدر خيره وشره، وأن ما يحدث لنا من أمور مفرحة أو محزنة ما هي إلا بقدرة الله ومشيئته وأنه عز وجل يفعل ما يختار وما يريد، وبأن كل ما يجري في هذا الكون يجري بمشيئته سبحانه وتعالى: {وَمَا تَشَاؤونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير..
وما الموت إلا أحد أقدار الله سبحانه وتعالى، فله ما أخذ وله ما أعطى..
بالأمس القريب شاءت قدرة الله عز وجل أن يغيّب الموت لاعب الهلال السابق والمحلل الرياضي الكابتن سلطان البرقان، الذي رحل بعد صراع مع المرض لبضعة أشهر، رحل وهو في عز شبابه (35 عاماً) تاركاً خلفه ذكرى حسنة من حيث حسن الأخلاق وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان، وتاركاً لنا الحزن على رحيله ولكن لأنها قدرة الله ومشيئته فليس لنا إلا الترحم عليه والدعاء له.
عرفت سلطان البرقان منذ قرابة عقدين من الزمان حين كان لاعباً في الفئات السنية بالهلال، واستمرت علاقتنا حتى بعد صعوده للفريق الأول، كان طيلة فترة ارتدائه للقميص الأزرق مواظباً على التدريبات وحريصاً على اتباع التعليمات الإدارية والفنية وتطبيقها دون نقصان، وفوق ذلك كان خلوقاً يحبه جميع زملائه ويتمتع بعلاقات واسعة مع اللاعبين دون تفرقة. وحتى وهو يغادر البيت الأزرق مرتدياً قمصان الاتفاق ثم الشعلة، فالرائد بقيت علاقته بالهلال والهلاليين قوية ولم يسيء لأحد منهم محتجاً أو معترضاً على قرار الاستغناء عنه كما يفعل بعض اللاعبين.
من المواقف التي تستحق الذكر والإشادة وتؤكد أن الراحل سلطان البرقان رجل مُحترم: أذكر أنه في عام 2005م وفي اليوم الذي أعلن الهلاليون إنهاء صفقة انتقال القناص ياسر القحطاني للهلال، وحيث إن ياسر اشتهر بالرقم (20) وهو ذات الرقم الذي يرتديه البرقان في الهلال، أجريت حينها اتصالاً هاتفياً به وسألته في تصريح لـ (الجزيرة) عن موقفه بعد أن طلبت منه الإدارة التنازل عن (20) لياسر؟ فأجابني بالحرف الواحد: (سعادتي غامرة باختيار الإدارة الهلالية القميص رقم (20) وهو رقمي الشخصي الذي كنت أرتديه مع الفريق الأزرق طيلة الموسمين الأخيرين).
وأضاف: (هذا الرقم هو أقل "هدية" يمكن أن نقدمها لهذا النجم الكبير الذي يستحق أكثر من هذا خصوصاً أنه أحد أبرز المهاجمين في الوقت الحالي إضافة إلى موقفه الرجولي بإصراره على اللعب للهلال دون غيره رافضاً كل الإغراءات ومتخطياً كل العراقيل التي وضعت أمامه).
وواصل حديثه: (أنا شخصياً أشعر بسعادة كبيرة بأن قميصي الذي كنت أرتديه سيذهب لنجم كبير ومبدع وهذا بالتأكيد شرف لي واعتبره بمنزلة التكريم.. ولو لم تقدم له الإدارة هذا القميص لقمت أنا بتقديمه لأن الجماهير الرياضية عرفت ياسر نجماً مبدعاً مع الأخضر وهو يرتدي القميص رقم 20).
بعد قراره الابتعاد عن اللعب رغم قدرته على الاستمرار اتجه لمجال التحليل الرياضي فنجح في ذلك أيما نجاح وتفوق على عشرات من يعتبرون أنفسهم محللين، فكان يعطي كل ذي حق حقه من النقد والمدح بكل أمانة ومصداقية وبعيداً عن المجاملات، كان في طريقه لأن يكون واحداً من أفضل المحللين والنقاد في العصر الحديث، لكن إرادة الله كانت أقوى وأسرع فأصابه المرض وتمكن منه واشتد عليه إلى أن فارق الحياة.. رحم الله سلطان بن عبدالله البرقان وغفر له وجعل ما أصابه طهوراً وتكفيراً وعوض شبابه في الجنة، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.