د. محمد عبدالله الخازم
معرض الكتاب بجدة على بُعد أيام؛ إذ بقي على افتتاحه أسبوعان تقريبًا، لكن الواضح أنه يعاني تنظيميًّا، ويفتقد الاهتمام المتوقع أو المأمول. المعرض في نسخه الأولى كنا نعذره باعتبارها البدايات، وسنرى التحسن عامًا بعد عام، لكن هذا العام يبدو أنه يتجه للتراجع بقوة؛ فحتى كتابة هذا المقال لا يوجد موقع إلكتروني للمعرض واضح، ولا يوجد اهتمام إعلامي، ولا توجد آليات واضحة لتسجيل تواقيع الكتب، ولا يوجد برنامج ثقافي معلن.. فما الذي يحدث؟
بغض النظر عن وجود قارئ من عدمه لكن معارض الكتب ما زالت مزدهرة، وقضيتنا هنا تنظيمية أكثر منها قضية قراءة وثقافة؛ فإما أن تكون معارضنا منافسة، أو لنكتفِ بمعرض واحد، نداوله بين المدن كل عام، أو لنكتفِ بتنظيم معرض جدة كل عامين في أوقات مناسبة، وليس وقت الإجازات السنوية والاختبارات كما سيحدث هذا العام. طبعًا هناك توجُّه لتأسيس معرض المنطقة الشرقية، وموعده قريب كذلك بعد شهرين، ثم سيأتي موعد معرض الرياض، ولا أدري لماذا ننظم معارضنا للكتب الثلاثة في وقت متقارب، وخلال خمسة أشهر، وكأن بقية العام غير مناسبة لمعارض الكتب! هذا يدل على غياب للاستراتيجية التكاملية بين المعارض الثلاثة من جانب، وهو يضعفها ويضعف الإقبال عليها من الناشرين والمعلنين والمتسوقين.
يبدو معرض جدة وكأنه فُرض كحالة طارئة، وأخشى التعامل مع معرض الشرقية كذلك، وذلك بعدم ربطهما ضمن منظومة تكاملية مع معرض الرياض للكتاب. وبما أنه أصبح لدينا أكثر من معرض فإنني أعيد ما طرحته سابقًا، ويتمثل في ضرورة نقل صناعة معارض الكتب لدينا من الاجتهادات والبيروقراطية الحكومية إلى الاحتراف؛ فنتجه إلى إحدى الخطوات الآتية:-
1- تأسيس شركة كتب للعناية بمعارض الكتب والمكتبات العامة؛ إذ كلتاهما تعاني، والإشراف عليهما عن طريق شركة يُسهم في تطويرهما بشكل أفضل، بما فيها ذلك مساعدتهما للانتقال نحو توجهات العصر التقني الجديد؛ لتصبح المكتبات ذات قيمة وجاذبية.
2- إعلان مناقصة علنية وشفافة لتنظيم معارض الكتب؛ فهذا يتيح للشركات ودور النشر ذات العلاقة الدخول في العملية التنظيمية بشكل أفضل؛ إذ حاليًا نجد أن معرض الكتاب تنظمه شركة لا علاقة لها بالثقافة، وتُعنى بتنظيم معارض السيارات ومواد البناء وغيرها.
3- مع إحدى الخطوتين السابقتين يمكن البحث عن رعايات كبرى لمعارض الكتاب أسوة برعاية المناسبات الرياضية. على سبيل المثال: قد يحظى المعرض برعاية شركات الطيران باعتباره إضافة للجانب الإعلاني الذي يقدمه، وسيساعدها في الحصول على كعكعة في مجال النقل والشحن لدور النشر المشاركة والحضور.
أتوقع أن معارض الكتب ستكون تابعة لوزارة الثقافة بعد فصلها عن الإعلام؛ لذلك نريدها بداية قوية للوزارة في هذا الشأن، وأولى الخطوات نقترحها هي البحث عن فكر وأفراد جدد، يتولون هذا الملف إن هي أرادت صنع الفارق. أمر طبيعي أن لا نتوقع الحماس لأفكار حديثة تتعارض مع فكر وطريقة عمل مستمرة على مدى سنوات، وبخاصة كون هذه الأفكار أطرحها وغيري منذ سنوات، ولم يُلتفت لها.