د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ما أسعدنا بالأمطار حين حلتْ على سهوب بلادنا وسهولها وسفوحها وحزونها وحزومها ودروبها وحواضر الناس وقراهم؛ وحين عانقت زخات المطر وفيوض الديَم شوامخ البناء وأبراج الاتصال والتواصل، فجال الناس وتجمعوا يتتبعون مساقط الغيث؛ فلم تتغير الأذواق مع اختلاف النمط السائد في الحياة العامة، فمازالت رؤيتنا التواقة للطبيعة والحالة المطرية، وأرى واقعنا ونحن نحتفي بالأمطار في هذه الأيام الجميلة هو تطوير لاستعارات «سقيا الرحمة التي نرجوها من الله سبحانه، فعشق الناس للمطر، واحتفاءاتهم الملونة خلال نزوله وبعد استيداعه في القيعان والسدود من عشق المنفعة والتوق إليها واستعادة الحب والخير!!.
لقد كان إنسان هذه الأرض يحيا متحداً مع الطبيعة التي يمنحها ربّ العباد في كل أحوالها من قوته وفضله؛ فتتحول إلى ظروف مصاحبة محسوسة.. واليوم أصبحتْ أفراح المطر واحتفاءاته جانباً ضمنياً أيضاً؛ ولعل وهج الصناعة يرتفع فوق المعدلات الإنسانية للحنين للديَم إلا من خلال ثوبها الجمالي المبهج فحسب.. لقد شحت الأمطار في نيف من السنين الخوالي، فما برحت الوعود بسقيا الرحمة ترتفع فوق معدلات اليأس ثقةً بالله -عزّ وجلّ- وبفيض عطاءاته؛ وقد جادنا الغيثُ وهما في فيوض مستمرة في أرجاء بلادنا في الحواضر وفجاج الصحراء.
«عهاد الغيث منهمرا سكوبا
ملتا يهضب الربع الحبيبا
تُغاديه السحائب مدجناتٍ
ويمنح طيبه المعهود طيبا»
ولم يكن للأمطار أن تصبح القاطن الحقيقي لكثير من المواقع الندية في بلادنا، بل كان لروادها شئون وشجون فكانت تجمعات السيول وحياض السدود وفياض الأودية نقاط التقاء لكل التصورات المثالية القديمة عن المطر وعلاقته بالماء والنماء وبيئة الإنسان.. وهناك حتماً أجيال جديدة كانت خارج إطار ذلك التصور، ولكن وجودهم شاخصون لمشاهدة الأمطار ود وولَه ٌجديد في فترات فاصلة ربما نسميه استرداد للحضارة الرعوية القديمة وما يحيط بها من حواضر تستجلب المياه من حواضن تلك الحضارات.. ولن استرسل في تحليل زمننا المطري الجميل الذي حلّ وما زالت نفوسنا تحمله على نحو مدهش، وإن كان مألوفاً !!.. فدائماً ما نردد أن الإنسان السعيد هو من يزرع حقوله الموروثة ويتحرر من الروابط الجديدة حتى لا تفسد عليه بهجة استعادة الفرحة لتلك الحضارة، ولكن النموذج المطري الذي تعامل معه الناس في احتفالنا بالأمطار الآنية قد تبلور في الوعي بأهمية السلم والسلامة من الأمطار وفيضانات السدود، وهشاشة الرمال المبتلة، والأنفاق التي تجاوزتها عمليات إتقان الصناعة.
وكان على مرتادي طقوس الفرحة المطرية تشكيل خيال فرح جديد لبناء أساس خصب لعواطف الشغف، تكون أكثر أماناً!!.. نعم كانت أجواء المطر المنهمر الفياض مكتملة على نحو فائق وبشكل لافت يمكن أن يطلق عليه حيازة مجانية لاكتشاف الخلل في البنى التحتية التي تحيط بالبنى المصنوعة؛ ولذلك ومن منبر الصحافة نأمل أن تكون تجمعات الناس للتنزه خلال الحالة المطرية الحالية، وبعدها مما يجب أن يوضع تحت مجهر الفحص من حيث السلامة، ويمكن أن تؤهل تلك المواقع للسياحة البرية التي يرومها الناس دائما، كما يلزم بناء إستراتيجيات مستقبلية للتعامل مع الكوارث الطبيعية، وأن تقوم وزارة النقل بتمهيد الطرق السالكة الآمنة لمواقع ارتياد الناس في الحالات الممطرة، وبما أننا نجد احتشاداً مع المواقع المحتفى بها، فربما كان من الجميل إيجاد نموذج عمراني يتواشج مع الأمطار ويحقق الاندماج الكامل مع تلك المواقع البيئية الملأى لتكون متوجة بشرفات آمنة من المخاطر المحتملة.
وأخيراً كان دخولنا في مستراد الابتهاج بالأمطار حيازة استحقاق تُضاف لعشقنا لبيئات بلادنا الوافرة وليست حلماً ينفض من مجالسنا!.