نادية السالمي
النفوس المختطفة من قِبل الموت تلقي دروسًا أحيانا لا هي مستحبة ولا هي مفهومة، وأحيانًا هي مفهومة رغم عدم استحبابها، ولو كان في موت الناس إجازة معلومة التوقيت ومحدودة الأيام لكانت تلك العودة ذات قيمة، ودروسها مستحبة!
الظلام يمحص الضوء ويختبره:
لا أحد بمقدوره معرفة هل الموت يحمل الأحباب إلى الأحباب، لكن بمقدورنا الجزم بالقول إنه ساعٍ ببريد مستعجل يتم استلامه عن طريق تواصل ليس بالواقعي ولا يصح في تسميته بالافتراضي، أنه التواصل عن طريق شبكة الوعي، ولكل وعي طريقته الخاصة في فك الشفرة وكذلك قراءة الرسالة.
موت المثقفين فيه رسالة يُختلف في فهم مضمونها من نفس لأخرى ومن وعي لآخر، حتى الإرث الثقافي الذي تركه هذا المثقف أو ذاك يبعث برسائل قد تكون جديدة عليك رغم اطلاعك المسبق عليها، وتلك الديباجة المغمورة بعزة حزنها القائلة: «ببالغ الحزن الأسى ننعى إسماعيل فهد»، وما تلبث حتى تطلع علينا بعد ساعات لتقول وهي متمسكة بذات العزة في حزنها: «ببالغ الحزن والأسى ننعى جلال أمين». فيها رسائل قاسية خلف استفهام أقسى يشير إلى ما مكانة هذا المثقف حين كان بيننا، وتقديرنا له هل كان كافيًا لحجمه، وإرثه الذي تركه خلفه كيف سنعتني به، وعرس تأبينه هل فيه شفاعة عن التقصير والإهمال وهل سيعرف من خلاله كم كان أثره فينا عظيمًا، والصراع الفكري معه هل كان مجديًا للحراك الثقافي، ومناقبه التي تم تعدادها هل سقط شيء منها أم زاد؟!.
الرسائل بين سطور الروائي إسماعيل فهد:
بعمق إنساني كان يكتب ويتعامل مع الحروف والقارئ..
«الفعل الكتابي وظيفة إنسانية بالأساس».
ما أجمل أن تكتب لأن ملكة الكتابة تحثك على استغلالها لما فيه صالح البلاد والعباد، تكتب عن اللحاف الذي هو أقصر من الرجلين، لتغمرنا السماء بالأغطية. وتكتب عن تمرد الظلام ليخترق الضوء عرينه ويبدده.
«لا كبير في حضرة الكتابة..كلنا صغار»
إعادة تبادل المواقع بين الكاتب والقارئ في كل مرة أمر ضروري في حياة الكتابة، تقييم الذات المستمر ومعرفة رأي القارئ وأخذ ملاحظاته بعين الاعتبار.
والتواضع يعني أن الكاتب فهم حقيقة الحياة.
«كوخ الثقافة ذاك كُمّم بالشمع الأحمر، قبل أن يصار إلى تسويته بالأرض»
انحسار الثقافة جريمة بحق سعتها وسمعتها.
«لا ما كنت لأرتكب خطيئة المكابرة في حضرة الحب»
الشعور الذي تفرضه عليك جوارحك وخلجات قلبك
ويحاصر جبروت عقلك هو الحب الذي تسمح فيه نفسك بتقديم المحبوب عليك.
الرسائل بين سطور المفكر جلال أمين:
كان صادقًا مع نفسه وهذا ما يبحث عنه القارئ ويشد انتباهه.
«حتى لو لم يكن لدينا في بعض الظروف ما يمكن أن نفعله لتغيير ما يحدث فلا أقل من أن نحاول أن نفهم ما يحدث»
في التعثر مجموعة من الدروس عليك الاستفادة منها ومما حدث قدر الإمكان لتحول ما هو ضدك ليكون معك.
« قد يرغب المرء في كثير من النقود ولكن عند وصوله لهدفه يجد أنه لم يكن يحمل الفرحة المرجوة، كما يجد نفيه أقل خوفًا من الموت مما كان شابا وأكثر تقبلا له»
الجمال عمره قصير والمتعة إذا زادت نقصت.
«يدهشني الآن طول الوقت الذي احتجت إليه لكي أتعلم كيف أن علي أن أضع ثقتي لا في الكتاب مهما بدا جذابًا باسمه أو موضوعه بل في مؤلفه وإن أدرك أن هناك بعض الكتاب الذين يمكن أن يشعر معهم القارئ بالأمان فيستطيع أن يطمئن إلى أي شيء يصدر عنهم سوف يكون على الأرجح جديرًا بالقراء»
الكتابة تجمعنا بأناس نحبهم لا لشيء إلا لخبز المعنى، وملح الحرف الذي تقاسمناهما معًا ذات موضوع، ومسؤولية الكاتب أن يرفع القارئ لا أن ينزل إليه أو معه، وعليه أن يتحرى الصدق، ويبحث عن الحقيقة فيما يكتب، ويشعر بالامتنان لكل قارئ آمن به. ولهذا كان يحرص على تقديم المتعة والمعرفة لهم.
«من الصعب على الإنسان أن يعيش دون أن يحاول أن يتميز عن غيره»
الحكمة من الاختلاف يجب أن لا تنقطع، ففيه من اكتمال المشهد في هذه الحياة الكثير، وفيه حياة لكل من دب على هذه الأرض.