لم يجدْ مَنْ تحتويهِ بصدقِها, بعد أنْ زهِدَ في قلبِها الرّحيمِ.
كلُّ نساءِ الأرضِ ما عدنَ قادراتٍ على ترمٍيمِ يُتْمِ قلبِه, وردمِ هُوّةِ الحرمانِ فيه.
ما عادَ قادرًا على معالجةِ همومهِ بمفرده.
تحيّنَ الفُرصَ؛ لاقتناصِ مساحةٍ منها.
وعندَ أوّلِ تلويحةٍ مِنْ بعدِ الغيابِ كتب لها:
يا فاتنتي:
أنا شاسعٌ واسعٌ، وكثير!
لا أحتاجُ منكِ أنْ تُشكِّليني؛ لأناسبَكِ.
رُعبُكِ الدائمُ من أفكارِي التي ما عدتُ استشيرُكِ فيها، يزيدُكِ مِنّي ريبةً، فلا تتصدقي عليّ ببعضِ أسرارِك؛ لترمي بي في شِراكِ البوح.
حسنائي:
بعيدًا عن كوني مورق بالقلقِ عليكِ مؤخرًا:
أنا -في النّهايةِ- متصالحٌ مع المألوفِ.
متأقلمٌ مع كُلِّ الأقدارِ التي تُعَاكِسُه.
أعرفُ كيفَ أُذيبُ تفاصيلي في كلِّ الأقدارِ التي تُعاندُني
الرّجلُ يجربُ كلَّ شيءٍ.
ويحتملُ كلَّ شيءٍ.
وإنْ سُلبتْ مِنهُ الحياةُ
عليه ألا يبكي على شيء!
الرّجلُ الحقيقيُ: متى ما قَطّبتْ في وجههِ الحياةُ، لديهِ ألفُ مخرجٍ ومخرجٍ للطوارئ.
بكلّ هذهِ القسوةِ، وهذهِ اللا مبالاةِ بقلبٍ، أوشعورٍ؛ يعيشُ الرّجلُ الشّرقيُّ في بلادنا.
أنا لا أصلحُ للانسكابِ في داخلِ براويزِكِ الجاهزة, مهما أنّقتِها لي؛ وفرِي عليكِ
كُلَّ هذا العناءِ، وتذكري فقط:
أنّ الرّجُلَ الذي لديه الجرأةُ على أنْ يُغادرَ حُبًّا ليس من نصيبهِ. هو رجلٌ صادقٌ لا يتسلى بكِ!
وحتى أُبرهنُ لكِ صدقي سأخبرك بما أفنيت ِعُمرَكِ لسماعه منّي:
أعترفُ أنّ حُبّي لكِ يأخُذُني إلى مناطقَ وَعِرةٍ -أنا نفسي أخشاها- يُحاصِرُني بهالةٍ من الدهشةِ الدائمة.
كنتُ أعلمُ أنّكِ مُنْذُ البدءِ تصنعينني على عينك؛ لتصطفيني لنفسِك.
وأنا في كلِّ هذا أقتني ذوقَكِ، وأتشبّهُ بِكِ بعيدًا عنكِ.
أُرددُ في غيابِكِ مُصْطلحاتَكِ، وطريقتَكِ في التّهكُّمِ منْ كُلِّ العثراتِ التي تعْترضُكِ.
أنتشي، وأشعرُ بي أملأُ هذا العالمُ كُلّما تحسستُكِ في قلبي.
أُخذتُ بكِ من أوّل حديثٍ جمعنا.
كنتِ نقيّةً, بيضاء، وواضحة جدًا.
في البدءِ شعرتُ بأنّكِ أنثى تَصْلُحُ أنْ تكونَ ضمادةَ جراحٍ...
مع الوقتِ أيقنتُ بأنّكِ أعمقُ جُرْحٍ لنْ أجدَ لهُ ضمادة!
سُهُولتُكِ كثيرةٌ على مُعَقّدٍ مثلي.
كنّا مُتَفاهِمَينِ في كلِّ ما نفعل..
لا أعلمُ كيفَ, ومتى استطعتِ بِقُدرةٍ خفيّةٍ, أنْ تجعلِي مِني بسيطًا بما يكفي للتداخل.
معكِ كُلُّ الأشياءِ تنسلخُ مِنْ تعقيداتِها.
يتمزقُ كِبرياؤها, وتتهشّمُ غطرستُها.
كنتِ تنتزعينَ في كُلِّ مرةٍ ريشةً منْ قلبي, وأُخرى منْ على رأسي.
تثقُبينَني بعينيك، وأنتِ تسألين فيّ تعقيدي الفظّ:
- فيم أخطأت؟!
بعفويتِكِ تُعيدينَني إليكِ وأنتِ تحاولينَ إقناعي بأنَّ منْ يُحبْ يسامحْ.
تمتلكينَ طُرُقًا استثنائيةً في سكبِ الألمِ, والأملِ معًا.
توجعينَني بمنتهى الحنان!
صوتُكِ الدافئُ، يتسللُ إلى قلبي؛ ليغرسَك باعتذار.
لا تتركينَ المواضيعَ مُتَجمّدة في المنتصفِ.
في حينِ أتعمدُ أنا تركَها؛ لتُذِيَبها الأيّام.
تُفتِتِينَنَي مِنْ الدّاخلِ, كُلّما اعتصرَ البكاءُ وجهَكِ بِسَبِبي.
معكِ أشعرُ باختناقٍ رائع.
أحبُّ تفاصيلَكِ العارِية.
حِدةُ أسئلتِكِ التي تُخِيفُني, لا أملكُ معَها إلاّ أنْ أكونَ صَادِقًا رُغمَّ كذبي!
كُنتِ خَلِيطًا منْ الملائكيِّة والشراسةِ والطفولةِ والشيطنة.
تَظهرين في حياةِ أحدهِم؛ لتكوني الأولى, والأخيرة.
أنتِ كثيرةٌ بشكلٍ يجعلُ من الصّعبِ مُحاصرتِكِ، ونسيانِك.
بِكّلِّ هذا كانتْ جَذوةٌ منْ رُوحِكِ تحومُ حَولي كُلّما افترقنا.
أعلمُ أنّ الأسئلةَ تنخرُ صدرَكِ قبلَ رأسِكِ مذّ رحلت، سأريحُكِ:
أنتِ صِنفٌ منْ النّساء، لا يمكنُ أنْ يُحبُّ معه, أو بعده!
حَكِّيمةٌ وراقيةٌ للحدِّ الذي يجعلُني أخشَاكِ، وأشكُ بعدكِ في قُدُراتِ أيّ امرأةٍ تُفكّرُ باحتلالي.
يا ملهمة:
للواقعِ أنيابٌ كثيرة!
إذا برزَ لكِ واحدٌ منها؛ سيؤذيكِ، ولن تسامحيني أبدًا.
أُتركيني أرحلُ بصمتٍ, ولا تغضبي منّي أرجوكِ.
تركتُكِ بسببي، ولأجلِكِ.
لا بسببِكِ, ولا لأجلي.
قرأتْ رسالتَهُ:
أورقت..
أزهرتْ ..
ثم هطلتْ.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي