سمر المقرن
في إحصائية منشورة عن وزارة الصحة، أنه في العام الميلادي الماضي هناك 1265 شخصاً تم ثبوت إيذائهم لأنفسهم وأن نسبة 85% من هؤلاء نساء، وقد تم تحويلهم لأقسام الخدمة الاجتماعية التابعة للوزارة.
إذا ما نظرنا وتأملنا مثل هذه الحالات والسلوكيات التي يُمكن ممارستها من قِبل هذه الفئة من الناس تجاه أنفسهم، فالمحسوس منها واضح في الإيذاء الجسدي أو محاولة الانتحار. وهي قد تكون أعداد قليلة إذا ما قارناها بمن يستمتع بإيذاء نفسه من خلال القيام بسلوكيات قد لا تكون ملموسة، مثل لوم النفس الدائم والشعور بالذنب أو الخطيئة، أو الشعور المبالغ فيه بالظلم أو أنه ضحية الآخرين دون تحمل أدنى مسؤولية.
كل هذه أشكال تندرج من وجهة نظري ضمن إيذاء النفس، ولا يمكن أن نغفل مطلقاً أن تعاطي المخدرات يأتي في مقدمتها، فلا يُمكن لإنسان سوي أن يقع في المخدرات إلا إن كان قد وصل إلى أعلى درجات كراهية النفس والرغبة في إيذائها.
كل هذه المشاعر السلبية تتكون في حلقات مترابطة ودوائر مُغلقة لا يمكن لمن يدخل فيها أن يخرج منها بسهولة، لكن إن ابتعدنا عن الحالات المرضية التي تحتاج إلى علاج نفسي وتأهيلي وسلوكي، فإن هناك سلوكيات منتشرة قد لا يشعر صاحبها بأنها من أنواع إيذاء النفس، مثل الأوهام التي يختلقها -بعضهم- والبحث عن المشكلات والمواجهات التي لا طائل منها سوى إلحاق الأذى بالنفس وبالآخرين، كذلك هناك تصنيف آخر أتوقع أنه يدخل ضمن حالة عُشاق الإيذاء وهي من يستمتع بإيذاء غيره ولو بكلمة، فيصل إلى حالة من الانتشاء نتيجة إيذائه لغيره وكأنه وصل إلى حالة الانتصار، مع أنه في الواقع لم يتجاوز سلوكه عن إيذاء نفسه بهذه المشاعر السوداوية التي تنهش في داخله، وإيذاء غيره بأفعال وسلوكيات ترضي ذاته.
حتى كثرة العتاب من وجهة نظري تدخل ضمن النطاقين، إيذاء النفس وإيذاء الآخر، فالشخص المدمن على العتاب هو يشعر بالتلذذ جراء ما يفعله، مع أنه في الواقع يؤذي نفسه ويؤذي غيره!
أتوقع أن الإنسان صاحب هذه السلوكيات أو أحدها، لو تعامل مع نفسه قليلاً وشعر بجمال الإيجابية في داخله، وأن ما يفعله سواء من أعلى درجات الإيذاء أو أقلها، ستكون سلوكياته مكتسبة لكل من حوله، بل وحتى على أطفاله، لانطلق إلى الحياة مميطاً هذا اللثام الأسود القاتم عن روحه.