هالة الناصر
يبدو أن التسامح سيظل قيمة نادرة وغالية، في ظل الاندفاع الغريب نحو المادية وإشاعة روح العصبية والأفكار التي تزرع في النفوس العنصرية ورفض تقبل الآخرين.
كلما ابتعدنا عن التسامح وغلبنا روح الفرد واستمعنا للموتورين وتمسكنا بالحق الذي يراد به باطل، زادت الفجوة بيننا وبين الحياة الهادئة التي ننشدها ويبتغيها الناس.
يقول الحكماء، إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب، بينما الطبيعة الحقيقية للبشر هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين.
ومن هنا يمكننا أن نعي أن غياب التسامح عنا هو في حقيقة الأمر تغليب لهذه الذات السلبية، وهو ما يشكل خطورة على قرارات الفرد ويجعل منه إنسانا ثائرا أشبه بكرة من النار تتدحرج من أعلى جبل شاهق لتأكل كل ما تصادفها في طريقها دون تفرقة ودون وعي.
ويحب الموتورون أن يصوروا التسامح وكأنه ذلة أو انكسار أو هزيمة، بينما قد أعماهم غضبهم عن رؤية القوة الحقيقية للتسامح، تلك القوة التي تفوق الانتقام والثأر، لذا كان من الطبيعي أن يحثنا عليه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
قيمة التسامح القصوى في أنه يأخذ ثأرك بشكل مضاعف ويمنح قيمة انتصار إنسانية أقوى وأهم من عدم تسامحك وأخذ ثأرك من الآخر.
ولم يبالغ من قال إن «التسامح زينة الفضائل»، فما من إنسان استطاع أن يجاهد نفسه ويعلي من التسامح في فكره وعقله وقراراته، إلا وتراه قد تزين بغيرها من الفضائل والصفات الحميدة، التي تجعل منه إنسانا سمحا في قدرة وشجاعة، لينا في حب وتودد، عاقلا يملؤه الرضا والقناعة.
ولا أجد أبلغ من قول أحمد شوقي:
تسامح النفس معنى من مروءتها
بل المروءة في أسمى معانيها
تخلق الصفح في الحياة به
فالنفس يسعدها خلق ويشقيها