د. عبدالرحمن الشلاش
البحث عن منتصف الجبهة هو الهدف الأساس للمتحاورين. منتصف الجبهة تلك المنطقة فوق الأنف مباشرة وإصابتها بدقة وإحكام مطلب لكثير من ضعاف العقول والسطحيين. إصابتها ليس بالحجة البليغة وإنما بأسلحة غاية في البذاءة وقلة الأدب ذخيرتها مفردات الشتم والسب لأن من لا يملك الحجة والدليل ليس أمامه إلا الركض في كل اتجاه لإلجام المتحدث أو صاحب الرأي لإظهاره أمام الناس بمظهر المهزوم الضعيف رغم أنه قادر على الرد لكنه لا يرغب في مجاراة السماجة والتفاهة وقلة الحياء فهو في مركز أو مكانة لا تسمح له بالنزول إلى الوحل.
في مواقع التواصل ينقل البعض كل تلك الصفات الرديئة لتوظيفها في البحث عن أي جبهة متاحة لقصفها، وجلد صاحبها بكل قسوة، وإن كان أحدهم مختفيًا وراء معرف وهمي فحدث ولا حرج. في ردودهم بذاءة وانحطاط فكري محزن فهم لا يناقشون الفكرة المطروحة ثم الرد عليها بأدب واحترام بحثًا عن الفائدة وإنما يستميتون لتسديد ضربة عنيفة لجبهة صاحب التغريدة الذي لا ذنب له سوى أنه يخالف ذلك البذيء في الرأي، ولأن من تربى على الأخلاق السيئة لا يملك ردًا مقنعًا ولا تعليقًا مناسبًا لذلك لا يجد أمامه سوى استخدام القصف العشوائي فإن أصاب الجبهة فهو المطلوب ليحظى بتصفيق وإشادة من هم على شاكلته في الفكر السطحي وسوء الأخلاق، وإن لم يصب فلن يخسر شيئًا.
لم نتعود في الغالب على الحوار المثمر. من النادر أن ينتهي حوار إلى مقاربة في الرأي لينفض الموقف إلى جدل عقيم مليء بالتراشق والاتهامات، كل واحد يرى أن الآخر ليس على حق وأنه عنيد لا يقبل الكلام بينما الحقيقة أن هذا المحاور قد بيت النية لإقناع الطرف الآخر برأيه بالقوة وحين رفض أن يقبل بكلامه اتهمه بالجهل والعناد، أو الصلف والغرور. طبيعة الحوار الدائر في مجتمعنا أن الطرف الآخر لا ينصت للمتحدث من أجل الاستيعاب والفائدة وإنما من أجل تجهيز الرد الذي يدحض كلامه ويرده خائبا، وفي أغلب المجالس يعلو الصراخ وتكثر المقاطعات والنتيجة في نهاية الأمر اتساع في هوة الخلاف ليفسد الاختلاف للرأي كل قضية، وشيء طيب أن انتهى الحوار بدون زعل أو قطيعة وهي النهايات المؤسفة لكثير من الحوارات لأننا لم نتعود على الطريقة الصحيحة للحوار لتسود حوارات قصف الجباه في نهاية الأمر.